شرح كتاب مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد
ما ورد عن ابن تيمية في تكفير المعين ودليله على ذلك
وقال أبو العباس اسم> أيضًا -في الكلام على كفر مانعي الزكاة- والصحابة لم يقولوا هل أنت مقر بوجوبها أو جاحد لها، وهذا لم يعهد عنه الخلفاء والصحابة، بل قال الصديق اسم> لعمر اسم> رضي الله عنهما: ( والله لو منعوني عقالًا ـ أو عناقًا ـ كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه )؛ فجعل المبيح للقتال مجرد المنع لا جحد الوجوب.
وقد روي أن طوائف منهم كانوا يقرون بالوجوب لكن بخلوا بها، ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم جميعهم سيرة واحدة وهي مقاتلتهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم، والشاهدة على قتلاهم بالنار وسموهم جميعهم أهل الردة.
وكان من أعظم فضائل الصديق اسم> -رضي الله عنه- عندهم أن ثبته الله على قتالهم، ولم يتوقف كما يتوقف غيره فناظرهم حتى رجعوا إلى قوله.
وأما قتال المقرين بنبوة مسيلمة اسم> فهؤلاء لم يقع بينهم نزاع في قتالهم. انتهى.
فتأمل كلامه -رحمه الله- في تكفير المعين والشهادة عليه إذا قتل بالنار وسبي حريمه وأولاده عند منع الزكاة، فهذا الذي ينسب عنه أعداء الدين عدم تكفير المعين.
قال -رحمه الله- بعد ذلك وكفر هؤلاء، وإدخالهم في أهل الردة قد ثبت باتفاق الصحابة المستند إلى نصوص الكتاب والسنة. انتهى كلامه.
ومن أعظم ما يحل الإشكال في مسألة التكفير والقتال عمن قصد اتباع الحق، إجماع الصحابة على قتال مانعي الزكاة، وإدخالهم في أهل الردة وسبي ذراريهم، وفعلهم فيهم ما صح عنهم، وهو أول قتال وقع في الإسلام على من ادعى أنه من المسلمين. فهذه أول وقعة وقعت في الإسلام على هذا النوع أعني المدعين للإسلام، وهي أوضح الوقعات التي وقعت من العلماء عليهم من عصـر الصحابة -رضي الله عنهم- إلى وقتنا هذا.
هذا أيضا كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية اسم> -رحمه الله- وكأنه ابتلي في زمانه بمن يقول: إنهم لا يكفرون إلا إذا صرحوا بالجحد، ولا يضرهم المنع أو العمل، وهذا مع الأسف موجود في زماننا.
كثير من المتمعلمين يقولون: لا تكفروهم إلا إذا جحدوا، فلا تكفر من يترك الصلاة حتى يقول: إني جاحد لها وإنها ليست فريضة، ولا تكفروا من يدعو الأموات حتى يقول: إن دعاءهم ليس بشرك إنه توحيد، فأما إذا قال إنه شرك ودعاهم فلا يضره؛ لأنه اعترف بأنه من أهل التوحيد؛ لأنه ليس جاحدا للشرك، ولا منكرا لوقوعه، وكذلك لا تنهوا عن شيء إلا إذا كان ذلك الذي فعله جاحدا له، وأشباه ذلك.
الجواب أن نقول لهم: إن الترك يدل على الإنكار، فإذا قالوا إنه يرجع إلى ما في القلب، نقول: الذي في القلب خفي من الذي يطلعنا على ما في قلوبهم، ثم نقول: إن الذي في القلوب تظهره الأعمال؛ بمعنى أن من أنكر شيئا ظهر أثره، إن من أنكر شيئا تركه، ولو قال إني أقر به بلسانه؛ ما ينفعه، تركك له دليل على إنكارك له، وقولك: إن الصلاة فريضة الله وأنها ركن الدين وأنها عمود الإسلام، ومع ذلك تصر على تركها دليل على شكك في فرضيتها أو أشباه ذلك.
شيخ الإسلام -رحمه الله- تكلم على كفر مانعي الزكاة، ولعل هذا الكلام في كتاب الإيمان أو في غيره من الكتب يقول -رحمه الله- الصحابة لم يقولوا هل أنت مقر بوجوبها أو جاحد لها؛ لم يعهد عن الصحابة والخلفاء أنهم كانوا إذا أرادوا أن يقاتلوا مانعي الزكاة يسألونه هل أنت تقر بوجوبها، بل يقاتلونه إذا منعها، ولو كان يقر بوجوبها.
بل ذكر أن كثيرا منهم يقرون بوجوبها، ولكن يقولون لا نعطيها أبا بكر اسم> ويقولون: إنها لا تحل إلا للرسول ويستدلون بقوله تعالى: رسم> خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ قرآن> رسم> فيقولون: ليست صلاتك يا أبا بكر اسم> سكن لنا؛ فهي خاصة بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.
أو يقولون: نحن نتصرف فيها وندفعها لمن نعرفه فلا تأخذها منا أو نحو ذلك. ما عهد عن الخلفاء والصحابة أنهم كانوا يسألون كل جاحد هل أنت مقر بها أو جاحد لها، بل يقاتلونهم على المنع.
ولما قال عمر اسم> كيف تقاتل الناس، قد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسم> أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها متن_ح> رسم> قال أبو بكر اسم> الزكاة من حقها الزكاة حق المال، ولو منعوني عقالا -الحبل الذي يربط به البعير- في الزكاة أو عناقا -السخلة من الغنم- كانوا يؤدونها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعه.
أقره عمر اسم> وقال: فما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر اسم> للقتال، فعلمت أنه الحق. جعل أبو بكر اسم> المبيح للقتال مجرد المنع منعوني، لم يقل جحدوا منعوني، فجعل المنع هو السبب ليس جحد الوجوب.
يقول: قد روي أن طوائف منهم كانوا يقرون بالوجوب، لكن منعوها بخلا، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأخذها منهم.
يقول: ومع هذا في سيرة خلفائهم جميعا سيرة واحدة، ما هي؟ مقاتلتهم، وسبي ذراريهم، وغنيمة أموالهم؛ قاتلوهم ومن استولوا عليه غنموا أمواله جعلوها غنيمة، وسبوا نساءهم وسبوا ذراريهم واستعبدوهم، وشهدوا على قتلاهم بالنار، لما تاب بعضهم وأسلموا ورجعوا قال لهم أبو بكر اسم> اشهدوا على قتلانا أنهم في الجنة، وقتلاكم في النار حتى نقبلكم.
وفي رواية أنه قال: تفدون قتلانا ولا نفدي قتلاكم ولكن عمر اسم> -رضي الله عنه- تساهل معهم، وقال قتلانا شهداء، ونرجو أن الله تعالى يقبلهم ولا حاجة إلى أن نقبل فديتهم أو ديتهم.
والحاصل أنهم قاتلوهم جميعا وسموهم كلهم أهل الردة، وكان قتالهم من أعظم فضائل أبي بكر الصديق اسم> -رضي الله عنه- عندهم، اعترف السلف له بالفضل؛ وذلك لأنه لما قاتلهم واستمر في قتالهم ثبته الله تعالى ورجع من كان ارتد ومن كان كفر رجعوا إلى الإسلام؛ بسبب دعوته، وبسبب قتاله ثبته الله على قتالهم.
ولم يتوقف كما توقف غيره، وناظرهم حتى رجعوا إلى قوله؛ ناظر عمر اسم> لما قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> إذا قالوا: لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم متن_ح> رسم> قال أليس قال: إلا بحقها؟ الزكاة من حق المال، ناظرهم حتى رجعوا إلى قوله.
وهكذا أيضا قاتل بني حنيفة الذين صدقوا بنبوة مسيلمة اسم> صدقوا بنبوته فقاتلهم؛ لأنهم جعلوا مع النبي محمد اسم> غيره، فهؤلاء ما أحد نازع في قتالهم لا عمر اسم> ولا غيره، بل قالوا: لا بد أن نقاتلهم حتى يرجعوا إلى الإسلام، ويعترفوا بأن مسيلمة اسم> كذاب، هذا كلام شيخ الإسلام -رحمه الله-.
مسألة>