قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. logo لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
shape
مجموعة محاضرات ودروس عن رمضان
19349 مشاهدة print word pdf
line-top
أقسام العباد في إحياء ليالي العشر الأواخر

يمكن أن الذين يحيونها أربعة أقسام:
قسم يحيونها في عبادات، وقسم يحيونها في أعمال دنيوية، وقسم يحيونها في لهو وسهو، وقسم يحيونها في معاصٍ ومحرمات.
القسم الأول الذين يحيونها في العبادة؛ هم الذين يحيونها في الصلاة وطول القيام والركوع والسجود؛ اقتداء بفعل نبيهم -صلى الله عليه وسلم- فقد كان يطيل الصلاة في هذه الليالي، وقد سمعتم أنه صلى ليلة ببعض صحابته؛ حتى خشوا أن يفوتهم الفلاح؛ يعني السحور.
وكذلك مرة صلى ومعه رجل من أصحابه، وهو حذيفة فقرأ في ركعة واحدة ثلاث سور؛ سورة البقرة بأكملها، وسورة النساء بعدها، ثم سورة آل عمران؛ يقرؤها بتدبر، ويقف عند كل آية رحمة فيسأل، وعند آية العذاب فيتعوذ.
يقول: فما صلى ركعتين، أو أربع ركعات حتى جاءه المؤذن للصلاة، وهذا هو الأصل في إحياء هذه الليالي. تجدون المسلمين يهتمون بهذه الليالي، ويولونها زيادة نشاطٍ وعبادة؛ اقتداء بفعل نبيهم -صلى الله عليه وسلم- بحيث إنه -كما ذكرنا- يزيد في قيام هذه الليالي، ويخصها بمزيد من الاجتهاد.
أدركنا قبل ثلاثين عاما المسلمين في هذه الليالي يقطعون الليل كله في الصلاة؛ فيصلون عشر ركعات، ويقرءون فيها نحو جزء ونصف، ثم يستريحون نحو نصف ساعة أو ساعة، ثم يصلون أربع ركعات يطيلونها؛ تستغرق ساعتين أو ساعة ونصفا على الأقل؛ يقرءون فيها ثلاثة أجزاء، أو جزءين ونصفا، ثم يستريحون نحو ساعة أو أقل، ثم يصلون ست ركعات تستغرق ساعتين ونصفا أو ثلاث ساعات؛ يقرءون فيها -أيضا- ثلاثة أجزاء أو ثلاثة ونصفا، ثم يستريحون قليلا، ثم يصلون الوتر؛ فيكون ليلهم كله معموم بالصلاة، فإنما يتخللها فترات راحة، وذلك اتباعا لما كان عليه السلف؛ الصحابة فمن بعدهم؛ فإن الصحابة كانوا يصلون في ليالي رمضان ثلاثا وعشرين ركعة، وهم ممن صلى بعضهم وبعض التابعين إلا عند الإمام مالك ستا وثلاثين، وعند الإمام الشافعي صلاة الليل في ليالي رمضان أربعين ركعة؛ فيصلون أربع الركعات تستغرق نصف ساعة؛ يستريحون بعدها نحو خمس أو عشر دقائق، وهكذا؛ لذلك سموها بالتراويح؛ حيث إنهم يرتاحون بعد كل أربع ركعات.
فهذه الأفعال هي حقا إحياء لهذه الليالي في عبادة، ويدخل في إحيائها -أيضا- إحياؤها بالقراءة، فإن هناك من يسمر ليالي العشر؛ يصلون ما قُدر لهم، ثم يجتمعون حلقات ويقرءون ما تيسر من القرآن في بيت من بيوت الله كالمساجد، أو في بيوت أحدهم؛ رجاء أن تتحقق لهم الفضائل التي رتبت على ذلك.
قد سمعتم قوله صلى الله عليه وسلم: وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده فإذا اجتمع جماعة؛ عشرة أو عشرون أو نحوهم يقرءون؛ يقرأ واحد وبقيتهم يستمعون، أو يقابلون بمصاحفهم، ثم يقرأ الثاني ثُمنا أو ثمنين؛ حزبا أو نصف حزب أو ربعه، ثم يقرأ الثالث، وهكذا؛ صدق عليهم أنهم يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ فيحيون ليلهم في طاعة، فهذا إحياء في طاعة.
كذلك إذا أحيوه في تعلم أو تعليم كون ذلك -أيضا- إحياء لهذه الليالي في طاعته، فإذا أحيينا ليلنا أو جزءا من ليلنا في تعلم علوم دينية، أو تزيد فيما يتصل بالدين كان ذلك عمارة لهذه الليالي بطاعة تنفعنا -إن شاء الله- وهكذا ما يقوم به هؤلاء الطلاب في هذا المركز من الأعمال التي يزاولونها كلها -إن شاء الله- تعتبر طاعة، وتمت بصلة قوية إلى الطاعة؛ فيعتبر إحياء هذه الليالي على هذا المنوال إحياء في طاعة.
فهؤلاء هم الذين ربحوا ضياع ليلهم، واستفادوا من وقتهم، ولم يضيعوه عليهم سبهللا؛ فلا يحاسبهم ربهم على إضاعة هذه الأوقات الشريفة ولا يندمون، ولا يتأسفون على إضاعتها.
أما القسم الثاني: الذين يحيون ليلهم في الأموال؛ في التكسب وفي حرافات، وفي تجارات وفي حرف، وفي صناعاتهم وفي دكاكينهم؛ فهؤلاء قد ربحوا من عمل منهم وهو ربح عاجل؛ ربح دنيوي؛ لكنه عندهم قد يكون أنفس وأغلى ثمنا مما حصل عليه أهل المساجد وأهل القراءات وأهل العلم، ولكنهم في الحقيقة قد خسروا أكثر مما ربحوا.
هؤلاء ربحوا؛ يأتي أحدهم أرباح في بيعه وفي شرائه، وفي حرفته وفي عمله وفي مصنعه، ونحو ذلك؛ تراه يبيت ليله كله وهو يتعاطى تجارته، ويبيع ويشتري، ويقلب أمواله، أو تراه يبيت ليله كله في مصنعه أو في معمله، أو نحو ذلك.
فهذا قد سهر الليل، وقد أحيا ليله، ولكن في طلب العاجلة؛ في طلب الدنيا؛ في طلب الدنيا الدنية، فإذا كان قد رغب عن الأعمال الأخروية وزهد فيها، وأقبل على الدنيا بكليته، ولم يرغب في شيء من آخرته خِيف عليه؛ خيف عليه أن ينطبق عليه قول الله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .
فهذه الآية فيمن جعل دنياه أكبر همه، ونسي أو تناسى الآخرة، ولم يعمل لآخرته بأي عمل، وجعل مقصده ودينه وديدنه السعي وراء هذا الحطام؛ بل جعلها هي مقصده؛ لها يعمل ولها يسعى ولها يكدح؛ حتى كأنها معبوده؛ فيطلق عليه أنه عابد لدنياه، وأنه عابد لدرهمه وديناره، ويتحقق عليه التعس الذي دعي عليه به في قول النبي صلى الله عليه وسلم: تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة .
لكن هو قد يكون له ربح معنوي، فإذا لم يجد فضلا في الأخروي حصل على ربحه من الصلاة، ولم يكن مرائيا ولا متغافلا عن الذكر ولا غافلا عن القراءة. استصحب معه مثلا كتاب الله؛ يقطع به أوقات فراغه، ويكون عنده في أوقات فراغه، ويصلي ما قدر له فيأتي بورده منه؛ فمثل هذا قد ربح نوعا من الربح، وإن لم يكن بالربح الأكبر؛ فهذا على طرف لكنه فاته الخير الكثير.
أما القسم الثالث وهم أغلبية الناس؛ فإننا نراهم يحيون ليلهم ولكنهم في لهو وسهو؛ فتراهم يجتمعون في بيوتهم وفي المجالس؛ يتبادلون الفكاهات والضحك والقيل والقال، وربما قد جاء عليهم الأمر بالتحذير من الغيبة ومن النميمة، ومن الكلام في أعراض الناس، وما أشبه ذلك، ولا يذكرون الله في مجالسهم إلا قليلا، ولا يستصحبون معهم شيئا من القرآن ولا من كتب الدين والعلم.
لذا ينقطع ليل أحدهم أو ليل جماعتهم يريدون أن يعاد؛ يقطعون الليل حتى يناموا بالنهار هكذا قصدوا؛ فيفوت عليهم الأمران؛ لا يشاركون المصلين في الصلوات، ولا يشاركون القراء في قراءتهم، ولا يشاركون أهل الدنيا وأهل الأرباح الدنيوية في أرباحهم؛ فيفوت عليهم هذا وهذا.
ويحصلون على خسارة وأي خسارة؛ ألا وهي مرور هذه الأيام والليالي الشريفة دون أن يستغلوها ودون أن يستفيدوا منها، فما أعظم خسارتهم! وما أعظم حسرتهم! عندما يرون أهل الأرباح والتكسب قد تقاسموا الأرباح، وعندما يرون أهل الحسنات قد ضوعفت حسناتهم؛ فهؤلاء لا خير دين ولا خير دنيا؛ بل ربما يكتسبون مآثم بكلام لا فائدة فيه.
فإنك تعرف أن كلام ابن آدم مكتوب عليه.
يقول الله تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: كل كلام ابن آدم عليه لا له؛ إلا ذكر الله وما والاه وأمر بمعروف ونهي عن منكر .
يصدَّق ذلك قول الله تعالى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ فهؤلاء قد يكتب عليهم ما يُسألون عنه ويُحاسبون عليه؛ لماذا قلتم كذا؟ ولماذا تكلمتم بكذا وبكذا وكذا؟ ولماذا لم تستعملوا هذه الآلة التي سخر الله لكم، وهي الأبصار والأسماع في طاعة الله تعالى، وفيما يرضيه؟
فلا يجدون لهذا السؤال جوابا.
وأما القسم الرابع: -والعياذ بالله- فهم كثير أيضا -لا كثرهم الله- هم الذين يحيون هذه الليالي الشريفة في ضد الطاعة؛ فتراهم يسمرون لياليهم على آلات اللهو؛ يقابلون أهل الملاهي التي ينصتون فيها إلى الأغاني الفاتنة، وإلى الأشرطة الماجنة، وإلى رؤية الصور الخليعة والأفلام الخليعة أيضا، وربما زادوا على ذلك، أو دفعتهم هذه النظرات التي ينظرونها إلى تمني الشهوات المحرمة؛ فإن سماع هذه الأغاني الفاتنة يزرع في القلوب محبة الزنا والخنا والفساد؛ فيدفعهم ذلك إلى طلب المحرمات.
وكذلك مشاهدتهم لتلك الصور الخليعة التي تعرض في الأفلام الخليعة؛ مشاهدتهم لها تزرع في قلوبهم أيضا محبة الشرور؛ فتدفعهم اندفاعا كليا إلى أن يطلبوا ما لا يحل لهم؛ من زنا أو شرب خمر أو ما أشبه ذلك، وكثيرا ما لا يلذ مجلسهم إلا إذا فكهوا أسماعهم بالأغاني الخليعة، وفكهوا أعينهم بالصور الخليعة، وفكهوا في نظرهم أفواههم بالكلام القبيح، وفكهوا شهواتهم وبطونهم بالأشربة المحرمة من خمور أو نحوها.
فيجمعون بين ترك الطاعة وارتكاب المعصية، أو ما يسبب محبة المعصية؛ فمثل هؤلاء مع كونهم محرومين فإنهم آثمون إثما كبيرا؛ فهم لم يكونوا معدومين؛ بل إنهم موجودون بكثرة.
ويشتكي علينا كثير من الهيئات الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بكثرة ما يعثرون عليه؛ حتى في نهار يوم الصيام ممن يقبضون عليهم وهم سكارى؛ لا صيام ولا ارتداع عن المحرمات.
وسبب ذلك أنهم طوال ليلهم وهم يتفكهون بهذه المحرمات كما زعموا؛ فيتمادى بهم ذلك؛ محبة هذه المعاصي والتلذذ بها إلى أن يستعملوها في النهار؛ فيتركون الصيام الذي هو ركن من أركان الإسلام، ويجمعون بين المعصية وترك الطاعة -والعياذ بالله-.
أما الذين في الليالي فلا يحصون كثرة؛ فكثيرا ما تدركهم الهيئات وقد فعلوا الأفاعيل أو شيئا من الأفاعيل؛ فكثيرا ما يختطفون النساء في الأسواق أو يتابعونهن ويهددونهن.
والحاصل أن ذلك كله من أسباب ضُعف الإيمان، وقلته في القلوب وخلود للمعاصي ومقدمات الكفر بدلا منه؛ فهذه أقسام الذين يبيتون هذه الليالي ويحيونها؛ فليختر المسلم لنفسه ما يناسبه.

line-bottom