قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
الصيام آداب وأحكام
48700 مشاهدة
المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
أما بعد:
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ يقول ابن كثير - رحمه الله - يقول الله تعالى مخاطبا المؤمنين من هذه الأمة وآمرا لهم بالصيام؛ وهو الإمساك عن الطعام والشراب والوقاع بنية خالصة لله عز وجل لما فيه من زكاة النفوس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الردئية والأخلاق الرذيلة، وذكر أنه كما أوجبه عليهم فقد أوجبه على من كان قبلهم فلهم فيهم أسوة حسنة، وليجتهد هؤلاء في أداء هذا الفرض أكمل مما فعله أولئك ، ثم قال: والصوم فيه تزكية للبدن وتضييق لمسالك الشيطان ا هـ.
لقد جاءكم شهر كريم، أوجب الله صيامه وقيامه، فمن قصر فيه فهو من الخاسرين، ومن اجتهد في صيامه وقيامه كان من الرابحين، شهر رمضان شهر البركات ؛ أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، فيا له من شهر عظيم يجب علينا أن نستغل أيامه ولياليه، فالخاسر من يذهب عنه الشهر ولم يغفر له.
ولأهمية الصيام وعظم شأنه فقد قمت بجمع هذه الرسالة من محاضرات وفتاوى شيخنا العلامة عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين ثم قمت بترتيبها والتنسيق بين موضوعاتها، ثم أضفت إليها بعض المسائل المهمة والتي أجاب عليها فضيلة الشيخ بخط يده، فجاءت رسالة شاملة مبينة لآداب الصيام وأحكامه، إضافة إلى بيان شيء من أحكام الاعتكاف وفضل العشر الأواخر من رمضان، وأحكام زكاة الفطر، وأحكام العيد ثم خاتمة في وداع الشهر الكريم.
نسأل الله أن يعيده علينا وعليكم والمسلمون في عز ونصر وتمكين، ونسأله تعالى أن يبلغنا رمضان، وأن يتقبل منّا الصيام والقيام، إنه سميع مجيب، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتبه
أبو أنس علي بن حسين أبو لوز
في: 30-5-1417هـ الموافق: 12-10-1996م
الرياض
حي الخالدية الرمز: 11497 - ص.ب:31271 .1 .