اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
الصيام آداب وأحكام
53969 مشاهدة
صيام المرأة الحامل والمرضع والحائض والنفساء

معلوم أن الغالب على المرأة الحامل والمرضع القدرة على الصيام، وبدون مشقة، بل الكثير من النساء تواصل الصوم حتى تضع حملها، ولا تحس بضعف ولا ألم عليها، ولا على جنينها، وكذا المرضع يستمر معها اللبن، وتقوم بإرضاع طفلها طوال يومها، دون خوف على نفسها أو ولدها، ولكن لا ينفي ذلك وجود حالات تحتاج معها الحامل والمرضع إلى الإفطار، إما خوفا على نفسها فهي كالمريض، وإما خوفا على الجنين أو الرضيع، ولذلك ثبت عن ابن عباس أنه قال: والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا .
وروى الدارقطني في سننه عن ابن عباس قال لأم ولد له حبلى أو ترضع: أنت من الذين لا يطيقون الصيام، عليك الجزاء، وليس عليك القضاء . وفي رواية عنه: أنه كانت له أمة ترضع، فأجهضت، فأمرها أن تفطر وتطعم ولا تقضي ثم روى عن ابن عمر أن امرأته سألته وكانت حبلى ، فقال: أفطري وأطعمي عن كل يوم مسكينا ولا تقضي .
ثم روى عن نافع قال : كانت بنت لابن عمر تحت رجل من قريش وكانت حاملا ، فأصابها عطش في رمضان فأمرها ابن عمر أن تفطر وتطعم عن كل يوم مسكينا .
ومع ذلك فإن الفقهاء فصلوا في أمر الحامل والمرضع ، فقال ابن قدامة في المقنع: والحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وقضيتا وإن خافتا على وليدهما أفطرتا وقضيتا ، وأطعمتا عن كل يوم مسكينا. ا. هـ.
ولا خلاف أنهما إذا خافتا على أنفسهما لم يجب عليهما سوى القضاء ، لأنهما بمنزلة المريض الخائف على نفسه، أما إذا خافتا على ولديهما فقد ذكر أن عليهما مع القضاء الكفارة بالإطعام ، وأخذوا ذلك من قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فهما داخلتان في عموم الآية.
وقد روي عن ابن عمر الإطعام عليهما مع القضاء، وهو المشهور من مذهب الشافعي ولأنهما يطيقان القضاء فلزمهما كالحائض والنفساء ، والآية أوجبت الإطعام ولم تتعرض للقضاء فأخذ من دليل آخر.
وقد تقدم أن ابن عمر وابن عباس قالا: ليس عليهما قضاء. فلعل ذلك عند استمرار العذر وعدم التمكين من القضاء بقية الحياة أو أن ذلك اختيارهما.
أما الحائض والنفساء فلا خلاف أنهما يفطران أيام الحيض والنفاس، ولا يصح منهما الصيام ولو كانتا قادرتين، وذلك لمعنى فيهما وهو الحدث المستمر معهما ولا خلاف أن عليهما قضاء ما أفطرتاه زمن الحيض والنفاس فقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها : كان يصيبنا الحيض فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة .
ومعلوم أن الأمر صدر ممن له الأمر وهو النبي صلى الله عليه وسلم، ولإلحاقهما بالمريض الذي يقضي ما أفطره زمن المرض وليس عليهما سوى القضاء، لكن من فرط في القضاء فأدركه رمضان آخر فعليه مع القضاء كفارة جزاء تفريطه طوال السنة والله أعلم.