الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
الصيام آداب وأحكام
53974 مشاهدة
صيام المريض

لا شك أن المريض في الغالب يكلفه الصوم، ويشق عليه، فلذلك رخص الله له في الفطر في رمضان، وأمره أن يقضي عدة أيام فطره، فقال تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ .
وأجمع العلماء إلا من شذ على أن القضاء يختص بمن أفطر للمرض أو السفر، فتقدير الآية على ذلك: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فأفطر فعليه عدة ما أفطره من أيام أخر)، قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ في الكلام حذف أي من يكن منكم مريضا أو مسافرا فأفطر فليقض... إلخ، وذكر في تفسيره أن للمريض حالتان:
إحداهما : أن لا يطيق الصوم بحال فعليه الفطر وجوبا.
الثانية : أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة، فهذا يستحب له الفطر ولا يصوم إلا جاهل يكلف نفسه.
وقال جمهور العلماء: إذا كان به مرض يؤلمه ويؤذيه، أو يخاف تماديه، أو يخاف تزايده صح له الفطر.
وأما لفظ مالك فهو المرض الذي يشق على المرء ويبلغ به، واختلفت الرواية عن مالك في المرض المبيح للفطر فقال مرة: هو خوف التلف من الصيام. وقال مرة: شدة المرض والزيادة فيه، والمشقة الفادحة...
وقال الحسن إذا لم يقدر من المرض على الصلاة قائما أفطر.
وقالت فرقة: لا يفطر بالمرض إلا من دعته ضرورة المرض نفسه إلى الفطر، ومتى احتمل الضرورة معه لم يفطر، وهذا قول الشافعي ا.هـ.
وقال الزركشي في شرح مختصر الخرقي: ومن شرط جواز الفطر عندنا التضرر بالصوم، بأن يزيد بالصوم مرضه، أو يتباطأ برؤه، ونحو ذلك، لأن ذلك وقع رخصة لنا ودفعا للحرج والمشقة عنا، ولذلك قرنه بالسفر، فإذا لم يوجد الضرر فلا معنى للفطر.. فإن تحمل من جاز له الفطر بالمرض وصام كره له ذك، لإضراره بنفسه وتركه تخفيف الله تعالى؛ ورخصته المطلوب إتيانها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته فإن فعل أجزأه، لإتيانه بالأصل الذي هو العزيمة، وصار هذا بمنزلة من أبيح له ترك القيام في الصلاة فتكلف وقام. ا.هـ.
وقال في الشرح الكبير والمرض المبيح للفطر هو الذي يزيد بالصوم أو يخشى تباطؤ برئه. قيل لأحمد متى يفطر المريض؟ قال: إذا لم يستطع. قيل: مثل الحمى؟ قال: وأي مرض أشد من الحمى. ا.هـ.
ولا شك أن الفطر لأجل المشقة والعسر، ولهذا قال تعالى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ولا شك أن الصوم مع المرض الخفيف كوجع ضرس وعين وصداع يسير لا عسر فيه؛ بل قد يكون في الفطر عسر، لاحتياجه إلى القضاء الذي يشق على كثير من الناس.
فالرخصة في الفطر عند وجود سببه، وهو المرض الذي يحصل منه ألم وصعوبة، وعدم صبر عن الشراب أو الطعام، لشدة الحرارة أو عدم تحمل الجوع والعطش مع المرض فأما الوجع اليسير فالأصل بقاء فرضية الصوم لعدم السبب الداعي إلى تركه والله أعلم.