من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
تفسير آيات الأحكام من سورة النور
53907 مشاهدة
سبب نزول آيات اللعان

...............................................................................


الآيات التي بعدها تتعلق باللعان؛ وذلك لأنها لما نزلت الآيات في قوله تعالى : وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وجد أن هناك بعضا من المنافقين، وبعضا من المتساهلات، يدخلون على النساء في حال غفلة النساء ، أو في حال غيبة رجالهن أو نحو ذلك؛ فخيف أنه يقع فعل الفاحشة.
ذكروا أن سعد بن عبادة رضي الله عنه لما نزلت هذه الآية: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ جاء وقال: كيف نثبت يا رسول الله وهكذا قال: أنا أعلم أنها حق، ولكن إذا رأى الرجل مع امرأته رجلا؛ كيف يذهب يأتي بأربعة شهداء ؟. إذا ذهب ليحضرهم فإن هذا الفاجر يقضي وطره، ثم يهرب. فلم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم. في رواية أنه قال: لو رأيت مع امرأتي رجلا لضربتهما بالسيف غير مصفح؛ أي: ضربتهما بحده. فقال صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من غيرة سعد ؟ لأنا أغير منه، والله أغير منا يعني: أقره على هذه الغيرة. سعد بن عبادة قال بعض الصحابة: إنه لم يطلق امرأة فيتجرأ أحد أن يتزوجها؛ من شدة غيرته، مع أنه قد طلقها لا يتجرأ أحد على الزواج بها.
ثم حدث أن رجلا اتهم امرأته، فسأل ابن عم له يقال له: عاصم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا، أيقتله فتقتلونه؟ أم كيف يفعل؟ فقال: يا عاصم سل النبي صلى الله عليه وسلم، فكره النبي صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها. فقال عاصم لعويمر ما أتيتني بحل. فقال: عويمر إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به، فجاء وسأل النبي -صلى الله عليه وسلم-. قال: إن الله قد أنزل فيك، وفي صاحبتك قرآنا فجاءت المرأة وتلاعنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، ولما تمت الملاعنة قال: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، ثم طلقها ثلاثا قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم. هذه واقعة .
وقعت واقعة أخرى شبيهة بها لهلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم في حديث كعب بن مالك وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا قذف أيضا امرأته برجل يقال له شريك بن سحماء ؛ رمى امرأته بأنه زنا بها شريك فعند ذلك أيضا تلاعنا على ما ذكر في هذه الآية، فبدأ بالرجل فقال: اشهد على نفسك أربعا وأشر إلى المرأة فقال: أشهد بالله على امرأتي هذه أنها قد زنت. كرر ذلك أربعا؛ فلما كانت الخامسة قال: اتق الله فإنها الموجبة فأقدم وقال: لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين؛ لعن نفسه إن كان من الكاذبين.
جاء دور المرأة؛ أمرها بأن تشهد؛ فشهدت وقالت: أشهد بالله على زوجي هذا أنه من الكاذبين فيما رماني به، فلما جاءت الخامسة قال لها: اتقي الله فإنها الموجبة وفي رواية: أمر من يضع يده على فمها؛ أمر امرأة أو نحوها، ثم إنها تلكأت قليلا ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم؛ فأقدمت وقالت: غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ قيل في بعض الروايات أنه وعظهما قبل ذلك، وقال : الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب لا شك أنه صحيح أن أحدهما كاذب، ولكن الله تعالى هو الذي يعلم؛ فكان يذكرهما ويعظهما قبل البدء في الأيمان؛ رجاء أن يتراجع أحدهما إذا كان كاذبا، فلما أقدم كل منهما على الشهادات فرق بينهما.