جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
الافتراق والاختلاف
7545 مشاهدة
مسألة مس المصحف لِلْمُحْدِث

والآن.. أذكر بعض الأمثلة. أذكر أولا: أنني كتبت بعض المسائل لبعض الإخوة الذين سألوني عنها، فكتبت مسألة في مس المصحف لغير الْمُحْدِث، وأخرى في المسح على الجوارب، وأخرى في إفطار المحتجم الذي أخرج منه الدم بالحجامة. واخترت ما أختاره أنا، وما أُفْتِي به.
ثم إن ذلك الأخ الذي كتبت له تلك الأسئلة أعطاها بعض الإخوة من المصريين، فأرسلها إلى مصر أو عرضها على بعض الإخوة المصريين، فخالف ما فيها، وكتب: أنه لا بأس بمس المصحف لغير المتطهر، وأنه لا يجوز المسح على الجوارب والشراب، وأن الحجامة ليست مفطرة. واعتمد في ذلك على ما هو معروف عندهم، وعلى المذاهب المشتهرة عندهم؛ فعند ذلك وقع ذلك الأخ الذي سألني في حيرة، ووقع في أمر لا يدري ما يختاره.
فأقول بعد ذلك: إن هذه المسائل يُرْجَعُ فيها إلى الدليل.
فأما مس المصحف؛ فصحيح أنه وقع فيه خلاف؛ هل يقرأه الإنسان وهو مُحْدِثٌ أو لا يقرأه إلا وهو متطهر؟ والذي نختاره: أنه لا يقرأه إلا وهو متطهر من الْحَدَثَيْنِ: الحدث الأكبر، والحدث الأصغر. والدليل الآية الكريمة قول الله تعالى: لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ الله تعالى ذكر في هذه الآية القرآن، في أول الآية وفي آخرها، فذكره في أول الكلام بقوله: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ما هو؟ أليس هو هذا الذي بين أيدينا؟ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ أقسم الله بأنه قرآن كريم.
كذلك وصفه بعد ذلك بقوله: فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ يعني: أصله في كتاب مكنون؛ وهو اللوح المحفوظ. وصفه بعد ذلك بأنه: لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ وصفه بعد ذلك بأنه: تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فكلمة تنزيل إنما هي لهذا القرآن الذي بين أيدينا؛ قبلها هذه الآية: لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فالآية نَصٌّ في أن هذا التنزيل لا يمسه إلا المطهرون. إذن فلكرامته لا يمسه إلا متطهر؛ هذا هو الذي تَرَجَّحَ لنا.
وأيضًا ذكره الله في آية أخرى في قوله تعالى: كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ هذا القرآن الذي وَصَفَهُ بأنه: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ وصفها بأنها: مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ يعني: أن علينا أن نرفع هذه الصحف التي هي المصاحف، وأن لا نجعلها على مستوى الأرض؛ لأن في ذلك شيئا من إهانتها؛ بل نرفعها حِسًّا ومعنى، فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ فإذا كانت مُكَرَّمَةً ومرفوعةً ومطهرةً، فكيف يُسْتَهَان بها؟! وكيف يمسها الْمُحْدِثُ ونحوه؟!
ثم إن الصحابة -رضي الله عنهم- عملوا بذلك، أكثرهم على أنه لا يمسه إلا طاهر؛ عمل بذلك جملة من الصحابة، ولو وُجد بينهم خلاف؛ فإن الذين أباحوا أن يُقرأ من غير طهارة اجتهدوا في ذلك؛ ولكن لم يتأملوا ما دَلَّتْ عليه هذه النصوص.
إذن فنحن نختار أن الْمُصْحَفَ لا يمسه إلا طاهر؛ تكريما له، واحتراما له.