شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة logo اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
shape
الجواب الفائق في الرد على مبدل الحقائق
50592 مشاهدة print word pdf
line-top
من ذاق حلاوة أنسه، وجوابه

ثم قال هذا الكاتب: من ذاق حلاوة أنسه رأى من لطفه العجاب، وتمتع بلذيذ الخطاب بعد رفع الحجاب، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا لفظ (أيها) بالذات في لغة العرب لا يقال إلا عند المواجهة، والشاهد لا يكون عن غيبة بل لا بد من حضور قال -صلى الله عليه وسلم- وجعلت قرة عيني في الصلاة .


جوابه أن نقول: يعتقد الصوفية أن حلاوة الأنس بالله تعالى لا تحصل إلا بالخلوة الطويلة والانفراد ويسمون تلك الخلوة جمعية القلب، فإن أحدهم ينفرد في زاوية من مكان مظلم، ويبدأ في التفكير ويطيل النظر، ويتناسى الخلق كلهم، ويجمع همه على ربه، فربما ترك عدة صلوات متوالية تمر به حالة انفراده؛ مخافة تفرق همومه وفساد جمعيته، وفي النهاية يزعم أنه يحصل له في تلك الخلوة مكاشفات واطلاع على الملأ الأعلى وعلى أمور غيبية وخفية، ويسمى ذلك لذة الأنس أو حلاوة المناجاة.
ويزعم أنه يتمتع بلذيذ الخطاب، ويرفع له الحجاب عن ربه؛ فيطلع بقلبه على ما أُخفي عن غيره، ويُسمى الذين لم يصلوا إلى درجته ومنزلته محجوبين مبعدين عن القرب الذاتي إلى ربهم، وقد يصل أحدهم إلى غاية قصوى تسمى عندهم بالفناء؛ بحيث يفني أحدهم بموجوده عن وجوده وبمشهوده عن شهوده، بحيث يفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل وقد تجرهم هذه الأحوال إلى عقيدة سيئة هي اتحاد الخالق بالمخلوق عقيدة أهل الحلول، وقد يزعم بعضهم أن مشايخهم وأكابرهم يصلون إلى درجة تسقط عنهم التكاليف وتباح لهم المحرمات، ونحو ذلك من الخرافات التي يمدحهم لأجلها هذا الكاتب وأضرابه.
ونحن نقول: إن حلاوة الأنس بالله لا تحصل إلا بالاشتغال بذكره ودوام عبادته، والبعد عن القواطع والشواغل التي تقطع القلب وتحول بينه وبين التفكر في آلائه والتذكر لنعمائه، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن للإيمان حلاوة وطعما كما في قوله: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان؛ أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار .
وقال -صلى الله عليه وسلم- ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم-رسولا نبيا وهكذا أخبر بأن العبادة بها تقر عينه ويرتاح بدنه، وهو معنى قوله -عليه الصلاة والسلام- وجعلت قرة عيني في الصلاة وقوله: أرحنا يا بلال بالصلاة .
فهذا ونحوه يفيد أنه -عليه الصلاة والسلام- يجد في الصلاة لذة قلبه وسروره وابتهاجه وغاية فرحه وراحة بدنه؛ حيث إنه في الصلاة ينقطع عن الغير، ويقبل بقلبه على ربه، ويلتذ بذكره ومناجاته، ويتقلب من حال إلى حال يجد في كل منها الأمر بالعبادة، وكذا يتنقل من ذكر إلى دعاء إلى تلاوة وفي الجميع قوة للقلب والبدن؛ فبهذه الأوصاف تكون الصلاة مفيدة ومؤثرة على العبد، وناهية عن الفحشاء والمنكر، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- إنما يلتذ بالعبادة بأي وصف كانت، ولم يكن يؤثر الخلوة والانفراد، وليس في كون الصلاة قرة عينه ما يدل على أحوال الصوفية وأذواقهم ومواجيدهم ولو من بعيد.
فنحن نقول: ما نوع الأُنس الذي يذوقون حلاوته ثم يرون من لطفه العجائب فإن كان الأنس بالذكر والصلاة والدعاء والتلاوة والتنقل في العبادة فليس من شرط ذوقه الانفراد والعزلة والبعد عن الناس وترك الجمع والأعياد والجماعات، بل إن حلاوة العبادات يحس بها كل من أحضر قلبه حال أدائها وأعرض عن كل ما يشغل القلب عن الإقبال على التدبر من أوهام ووساوس وحديث نفس، فتفريغ القلب من ذلك سهل ويسير على من يسره الله عليه.
فهؤلاء هم الذين يوليهم الله عنايته، ويلطف بهم ويكون من آثار لطفه أن يحميهم ويحفظهم عن القواطع والعوائق، ويعصمهم من كبائر الإثم والفواحش، ويحميهم أيضا من الشهوات والملذات التي تعوق سيرهم إلى ربهم، ويكون من آثار لطفه توفيقهم وتسديدهم في الأقوال والأعمال، والإقبال بقلوبهم على الطاعات والاستكثار من الصالحات، وهذه سيرة الصحابة -رضي الله عنهم- ومن سار على نهجهم الذين عمروا أوقاتهم بالتعلم والتفهم والعمل والتطبيق، وهم مع ذلك لم ينقطعوا عن الشهوات المباحة؛ أسوة بنبيهم الذي قال: لكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وآكل اللحم، وأتزوج النساء؛ فمن يرغب عن سنتي فليس مني .
فأما قول الكاتب: تمتع بلذيذ الخطاب بعد رفع الحجاب؛ فنقول إن أراد التمتع والتلذذ بتدبر القرآن وتعلمه بحيث يعده خطابا من ربه إليه، فهذا حق وصواب، فإن الله تعالى أمر بذلك، كما في قوله: لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وقوله: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ لكن ليس من شرط هذا التمتع خلوة أو انفراد، بل يحصل التلذذ بتدبره في الصلاة وبين الناس، فأما إن أراد التمتع بلذيذ خطاب ربه وسماع كلامه منه إليه، وأن أهل الأحوال تتصل قلوبهم بالملأ الأعلى، ويناجون الله ويكلمهم ويكلمونه ونحو ذلك؛ فكل ما يقولون في هذا الباب هوس ووحي شيطان؛ فإن الله تعالى خص أنبياءه بوحيه وخص موسى بالتكليم، كما قال تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا وكذلك نبينا -صلى الله عليه وسلم- ليلة المعراج.
وقد قال تعالى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ وهذا الكاتب قد ذكر أن الصوفية ترفع عنهم الحجب والأستار، ويناجون ربهم ويتلذذون بكلامه، ومعنى هذا أنهم فاقوا كثيرا من الأنبياء والرسل الذين هم الواسطة بين الله وبين العباد؛ فإن الرسل إنما يوحي الله إليهم وحيا، أو يرسل إليهم رسولا ملكيا أو يكلمهم من وراء حجاب، كما في نص هذه الآية، أما الصوفية -في زعم هذا الكاتب- فإنها ترفع لهم الحجب وتخترق قلوبهم الأستار، وتتصل بالملأ الأعلى، وتسمع خطاب الرب تعالى مباشرة، وتتمتع بلذيذ ذلك الخطاب. فهل بعد هذا الغلو والرفع لمقامهم من زيادة سبحان ربنا الأعلى.
فأما استدلاله بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وقوله: لفظ أيها بالذات في لغة العرب لا يقال إلا عند المواجهة، والشاهد لا يكون عن غيبة بل لابد من حضور. فالمتبادر أنه يقصد أحد أمرين:
الأول: أن الله خاطبه وهو حاضر شاهد عنده، بأن كشف له الأستار، وقربه من حضرة القدس، وخاطبه كفاحا بلا واسطة ملك ولا غيره. وهذا ليس على إطلاقه، فإن الآيات التي فيها نداء النبي -صلى الله عليه وسلم- في القرآن كثيرة، ومعلوم أنها نزلت كغيرها بواسطة الملك وحيا من الله إليه، كما في قوله تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ .
الثاني: أن يقصد أننا متى قرأنا هذه الآية فإنا نخاطب الرسول -صلى الله عليه وسلم- كأنا نراه مواجهة ومقابلة، وأنه شاهد عندنا حاضر ليس بغائب؛ فيفيد ذلك أنه حي لم يمت، وأنه يسمع كل من خاطبه بهذه الآية أو غيرها، وأنه شاهد مع كل أحد في كل مكان، متى ناداه وخاطبه سمعه وأجابه، وأن هذا الوصف يعم كل ولي صالح من أكابر الصوفية ونحوهم، وهذا لا يصح؛ فلفظ أيها ليس خاصا -كما قال هذا- بالمواجهة، بل إن الله خاطب نبيه بهذه الآيات الكثيرة، آمرا له بما أرسله به وما كلفه به من البشارة والنذارة والتبليغ والبيان، كل ذلك أنزله بواسطة ملك الوحي؛ فالخطاب بواسطة يناسب فيه لفظ أيها، فلا تدل على استلزام مواجهة ومقابلة.
أما لفظ الشاهد فالمراد الشهادة على الأمة بأنهم قد بلغوا ودعوا، وقامت عليهم الحجة، كما في قوله تعالى: وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وقوله: لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ قيل شاهدا على أنه قد بلغكم ما أنزل إليه وبينه لكم، وقيل شاهدا على أصحابه بحسن أعمالهم وصلاحهم واستقامتهم؛ فما يوهمه كلام الكاتب لا صحة له.

line-bottom