الجواب الفائق في الرد على مبدل الحقائق
كيف يتهم بالشرك من توسل به إلى الله، والجواب عن ذلك
فأما قوله: فكيف يتهم بالشرك من توسل به إلى الله.
فنقول: إن أراد من توسل بطاعته واتباعه فلا بأس بذلك، كأن يقول: اللهم أنى أسألك وأتوسل إليك بإيماني وتصديقي واتباعي لرسولك رأس> وطاعتي له أن تغفر لي، ونحو ذلك، كما يجوز التوسل بسائر الأعمال الصالحة، كقصة أصحاب الغار الذين توسل أحدهم ببره لأبويه، والثاني بعفته عن الحرام، والثالث بأمانته وأدائه حق الغير مع غلته .
فيجوز أن نتوسل إلى الله بالصلوات والأذكار والصدقة والجهاد، ونحوها من أعمال العبد التي يرحمه الله بسببها ويقبل دعاءه، وهكذا إن أراد التوسل بمحبته واحترامه، وتوقيره والصلاة والسلام عليه، وتعظيم سنته وشرعه وما جاء به؛ فهذا من التوسل المشروع، فيقول: يا رب أسألك وأتوسل إليك بمحبتي لك ولنبيك وباحترامي له ولسنته أن تهب لي من فضلك، وترزقني حلالا، وتبارك لي فيما أعطيتني، ونحو ذلك.
وهكذا إن أراد التوسل بدعائه وشفاعته فلا بأس بذلك، ولكن يطلب ذلك كله من الله ويوجه إليه سؤاله، فيقول: اللهم اجعلني ممن تناله شفاعة نبيك يوم القيامة، أو اللهم وفقني للعمل الصالح الذي أنال به شفاعة محمد اسم> -صلى الله عليه وسلم- أو اجعلني من المؤمنين الذين يدخلون في دعائه واستغفاره -صلى الله عليه وسلم- وكل هذا ونحوه جائز إن شاء الله، ولا يخالف فيه أحد من أئمة الدعوة أو غيرهم من أهل السنة، وقد أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يستغفر للمؤمنين في قوله تعالى: رسم> وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ قرآن> رسم> فأنت تدعو الله أن يجعلك من المؤمنين الذين يعمهم هذا الاستغفار.
أما إن أراد هذا الكاتب السؤال بذاته أو الإقسام بذاته على الله، أو السؤال بحقه أو بجاهه؛ فهذا لا يجوز، فلم يرد ذلك عن الصحابة، ولا عن أحد من أئمة الدين، أو علماء المسلمين المقتدى بهم، ولا نقل أن أحدا منهم قال: اللهم إني أسألك بحق نبيك أو أنبيائك أو بجاه أو حرمة فلان، أو أتوسل إليك بنبيك ونحو هذا، ولم يفعلوه في الاستسقاء ولا في غيره، لا في حياته ولا بعد مماته، لا عند قبره ولا عند قبر غيره، ولم يرد هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم، وإنما ينقله المتأخرون الذين وقعوا في الغلو والشرك، وينقلون في ذلك أحاديث ضعيفة أو موضوعة لا تقوم بها حجة.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية اسم> في مجموع الفتاوى (1\ 202) عن أبي حنيفة اسم> وأصحابه أنهم صرحوا بالنهي عن ذلك، وقالوا لا يسأل بمخلوق ولا يقول أحد: أسألك بحق أنبيائك. ثم نقل عن أبي حنيفة اسم> قال: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، أكره أن يقول: بمعاقد العز من عرشك، أو بحق خلقك، وقال أبو يوسف اسم> معقد العز من عرشه هو الله فلا أكره هذا، أكره أن يقول: بحق فلان، أو بحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام رأس>
قال القدوري اسم> المسألة بحقه لا تجوز؛ لأنه لا حق للخلق على الخالق فلا تجوز وفاقا ا. هـ. ومعنى قوله: لا حق للمخلوق على الخالق، أي لا يجب على الله حق لخلقه، بل هو سبحانه المتفضل على عباده، وهو الذي وفقهم للهداية والأعمال الصالحة، وامتن على من شاء منهم بالفضيلة والكرامة والنبوة والولاية، فليس لأحد عليه حق واجب نظير ما يجب للمخلوق على المخلوق من الحق الذي يطالب به ويلزم من عليه الحق بأدائه، فأما ما ورد من الأحاديث في حق العباد على الله كقوله -صلى الله عليه وسلم- رسم> حق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا متن_ح> رسم> . فهو حق تفضل وتكرم ووعد وعدهم به وهو لا يخلف الميعاد.
مسألة>