إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه logo تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
shape
محاضرات في الزواج
17380 مشاهدة print word pdf
line-top
حكمة مشروعية النكاح

الله .. نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن والاه يتجدد لقاؤنا في هذه الليلة المباركة مع شيخنا المبارك ليتحفنا بما يفتح الله عز وجل عليه في موضوع من أحكام الزواج.
تعلـم فـإن العلـم أزين للفـتى
مـن الحلـة الحسـناء عند التكلـم
أسأل الله أن يفتح على شيخنا، وأن ينفعنا وإياكم بما نسمع فليتفضل مشكورا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وآله وصحبه، وبعد…
فإن الله سبحانه وتعالى ركب في الإنسان هذه الشهوة الجنسية، والحكمة في ذلك استمرار هذا النوع الإنساني، وبقاؤه إلى أن يأتي الأجل الذي يأذن الله تعالى فيه بفناء هذه الحياة الدنيا، فهذه الشهوة تحمله على طلب النكاح، وعلى طلب الوطء، وتدفعه، وفي كل من الجنسين الرجال والنساء هذه الشهوة التي يحصل منها الاندفاع إلى هذا الجماع.
لا شك أنه أن الله تعالى له الحكمة في ذلك، وهذه سنته في جميع خلقه حتى في الوحوش، وفي البهائم، وفي الطيور، وفي الحشرات، وما أشبهها جعل الله بينها هذا التزاوج حتى تتوالد من جنسها، وحتى يبقى كل نوع، وحتى يوجد ما قدر الله تعالى خلقه، وقدر إيجاده.
وإذا كان كذلك فإن الإنسان له خصوصية، وهو أنه يترتب على هذا الوطء وهذا الجماع يترتب على ذلك وجود هذا التوالد، ووجود هذا الحمل، والولادة، ومعلوم أن الأولاد إذا لم يكن لهم من يضمهم، ومن يحتضنهم، ومن ينفق عليهم فإنهم يضيعون، ولا يعرفون من هم، ولا يجدون من يربيهم؛ فلأجل ذلك شرع الله التزاوج الذي هو نكاح حلال، فأباح وشرع النكاح الحلال؛ ليستغنى به عن الوطء الحرام.
وذلك لأن هناك من جنس بني آدم من لا يحلون ولا يحرمون، ولا يفرقون بين الزوجة، وبين الأخت، وبين القريبة والبعيدة فينكحون ما يشاءون، ويجامع أحدهم أخته، أو قريبته، أو البعيدة، وكذلك لا يتوقفون عند عدد بل يطأ كل ما يريد، وكل من يشتهي، وإذا ولد لهم الأولاد، لم يبالوا بهم، ولم يعرف الرجل أولاده، ولم يعرف الولد أباه، ولا من ينتسب إليه ولا أمه بل من حين يولد وهو ملقى يعطى من يحتضنه مدة بقاء حاجته إلى الرضاع والحضانة، ثم بعد ذلك لا يلتفت إليه بل يقال له: أصلح نفسك وعش كما تشاء أو اهلك ولا يدري لماذا ولد ولا لماذا خلق، لا شك أن هذا ينافي حكمة الله سبحانه وتعالى.
ذكروا أي في صفة التتار الذين خرجوا في القرن السابع وما بعده، وقاتلوا المسلمين في خراسان وفي العراق وفي غيرها أنهم لا يحللون ولا يحرمون وأن المرأة يطؤها كل واحد يريدها، يقوم هذا ويقعد، ويجلس عليها هذا، وأنها إذا حملت ربت ولدها، أو أعطته من يربيها ثم حملت مرة ثانية، وهكذا فمثل هؤلاء أشبه بالبهائم، وقد يكونون أقل حالة من البهائم، ومن الطيور، ونحوها فإن البهيمة كالشاة، والبقرة، والناقة، والفرس، ونحوها تحن على أولادها ما داموا بحاجتها، ما داموا صغارا، وأما هؤلاء فلا تحن المرأة على ولدها بل تلقيه، وتعطيه من يصلحه.
أما الإسلام فقد جاء بشرعية هذا النكاح ورغب فيه، وحرم الزنا، وشنع في تحريمه لما يترتب عليه من المفاسد، وسماه فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا وعاقب عليه جعل عقوبته من أشنع العقوبات، وهي أن يرجم إذا كان محصنا، يرجم بالحجارة حتى يموت، ومع ذلك فإنه رغب في النكاح وحث عليه.

line-bottom