الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
محاضرة في فتن هذا الزمان ومقاومتها
8980 مشاهدة
فتنة الدُّعَاة إلى الإلحاد

وهناك أيضا أمثلة أخرى أُحِبُّ أن أُنَبِّهَ عليها قبل أن أَذْكُرَ العلاج, وهو أننا أيضًا مُبْتَلون ببلايا أخرى, عندنا مثلًا فتنة الدُّعَاة إلى الإلحاد ونحوه, أو الدعاة إلى أنواع من الضلال, ظهر هؤلاء الدعاة أو جاءوا إلينا باسم معلمين, ومرشدين, أو باسم مهندسين ومعماريين ونحوهم, أو باسم دكاترة وعلماء أهل معرفة -كما يقولون- أولئك الذين جاءوا إلينا قد امتلأت قلوبهم حنقا وحقدًا علينا..على أننا متمسكون بالعقيدة السلفية السليمة, وعلى أننا متمتعون بالنعمة, وبكثرة المال والْخَيْرَات, وعلى أننا آمنون مُطْمَئِنُّون في بلادنا, لا نخاف إلا ربنا.. ليس عندنا قتال, ولا مخاوف, ولا أفزاع, فحسدونا فأرادوا أن يوقعونا فيما وقعوا فيه, فصاروا يدعون إلى أعمالهم, ولو أنهم لم يدعوا مباشرة بالقول, لكنهم قد يدعون بالفعل.. فهم فتنة وأَيُّما فتنة! فَلْنَكُنْ منهم على حذر, ولا نقدسهم..انخدع بهم كثير, وافتتنوا, وصاروا يمدحونهم.
الذين مثلًا يسافرون إليهم ويرجعون إلينا وقد مقتونا, مقتوا آباءهم وأسلافهم, واحتقروا عباداتنا ودياناتنا, وعظَّمُوا, أو عظمت في أنفسهم مقادير أولئك الكفرة والفجرة, فقالوا: ما أنتم..؟ ما عندكم إلا عبادات! ما عندكم إلا كتب دين!! ما عندكم كذا وكذا.. أولئك يتعلمون, وأولئك يصنعون, وأولئك يخترعون!! فَسَوَّلَ لهم الشيطان أن أولئك رجالٌ غيرنا, وأن عقولهم أَذْكَى من عقولنا! وأنهم أَتَمُّ منا معرفة, وأقوى منا أبدانًا! وأكثر منا حذقًا, ونحو ذلك..وما عرفوا أن أولئك قوم عُجِّلَتْ لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا, وأنهم كما وصفهم الله بالذي اشتغل بالدنيا, وأقبلوا عليها وتركوا الآخرة, وصدق عليهم قول الله تعالى: يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ .
فنقول: لا تنخدعْ أيها المسلم بأولئك الدعاة, سواء كان الداعي يدعو بقوله, أو يدعو بفعله, معلوم أنهم يَدْعُون بالكل..يدعون بأقوالهم كالْمُعَلِّمِ مثلًا قد يدعو بقوله.. إذا ....
وربما دعاهم إلى المعاصي التي هو فيها.. إن كان يحب مثلًا الكفار ويحبذهم, أخذ يُعَظِّمُ الكفار في أنفسهم, فالفتنة عظيمة بهؤلاء.. فَمَنْ ثبته الله ورزقه بصيرة, فإنه يكون من الناجين.. ومَنْ ضعفت عقليته انخدع, وقَلَّدَ ذلك المعلم ونحوه, واعتقد أن له مزية, حيث أنه معه مؤهل, وله مرتبة, وله مرتب, وله مقام رفيع, وما أُعْطِيَ وما قُدِّمَ إلا وله وله..فيقربه ويصدقه, ويقع فيما وقع فيه, أو فيما دعا إليه, فيكثر الشر, ويعظم الضرر.. فهؤلاء من الفتنة.
وكذلك أيضًا الذين جاءوا باسم مهندسين معماريين أو مخططين أو عُمَّالا أو نحو ذلك, وأخذوا يعملون هذه الأعمال, قد يمدحهم بعض الناس, ويقولون: إنهم يعرفون ما لا نعرف, يحسنون البناء, ويحسنون كذا, ويحسنون هذه الصناعات, ونحو ذلك, مما يوجب له أنه يحبهم, ويميل إليهم, ولا يشعر بأنهم إلا عبيد دنيا.. عُبَّاد للدنيا, ولا يشعر أنهم كفار, أو عصاة أو نحو ذلك, لا يعرفون المساجد, ولا يحضرون الصلوات, ولا يقرأون كلام الله ونحو ذلك.. لا يشعر بذلك كُلِّهِ.. فيمدحهم هذا المسكين, وينخدع بهم, ويصفهم بأنهم الأمناء, وأنهم الْحُذَّاق والأقوياء, وأنهم الْمَأْمُونون على الأسرار, وأنهم الناصحون في الأعمال, وما أشبه ذلك.. فهذا ممن افتتن..افتتن بهم لما رأى أنهم يشتغلون هذه الأشغال, وهم ما قصدوا بذلك أيضا إلا أن ينخدع بهم الْخَلْقُ الكثير, بحيث يُعَظِّمُونهم, وإن كانوا لا يحسنون ما يحسنون. نقول لهذا: إذا كنتَ تمدحهم, فَتَعَلَّم مثلما تعلموا, ولكن تَعَلَّم الخير وافعله, ولا تَعَلَّمِ الشَّرَّ, بل ابتعد عنه.. إذن فإنك تعرف بأن عقائدهم وأعمالهم سيئة, وإن رُزِقُوا ما رُزِقُوه من العلم والمعرفة الدنيوية التي هي:
متاعُ غرورٍ لا يـدوم سـرورهـا
وَأَضْغَاثُ حُلْمٍ خـادع ببهـائــه
هذا نوع من الفتن.