لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
أخبار الآحاد
54083 مشاهدة
مستند من قال إن الآحاد لا تفيد إلا الظن

     تتابع الأصوليون غالبا في مؤلفاتهم على اختيار أن خبر الواحد لا يفيد العلم ولو بقرينة، وإنما يجوز العمل به وإن كان ظني الثبوت، لجواز العمل بما يفيد الظن.
     وأعتقد أن عدم حصول العلم لهم من هذه الأخبار بسبب أن جل اشتغالهم بعلم الكلام ونحوه، وهم في الجملة بمعزل عن علم الحديث وطرقه ورجاله.
     وقد انخدع بكثرتهم وتهافتهم على هذا القول كثير من أهل الحديث المتأخرين، كما فعل النووي في التقريب وشرح مقدمة مسلم وكذا ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول الذي نقل عبارة الغزالي بالحرف.
     ومن العجيب تأويل الغزالي لقول من ذهب إلى أنها تفيد العلم بأحد أمرين: 1- أنهم أرادوا إفادتها للعلم بوجوب العمل .
2- أن العلم بمعنى الظن .
      ثم  حكى أن بعضهم فسَّره بالعلم الظاهر، لقوله تعالى : فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ ورد هذا التفسير.
     وكأنه لما استحكم في قلبه كونها ظنية اعتقد ذلك حجة مسلمة من كل ذي عقل، واستبعد أن يخالفه فيها أحد.
     ولما كان هذا القول مشهورا عن السلف أراد أن يصرفه عن ظاهره، حتى لا يبقى عالم معتبر يخالف ما قاله، فأوله إما بجعل العلم مرادا به غير ما نحن فيه ، وأنه العلم بوجوب قبول هذه الأخبار، والعمل بما تتضمنه، وإما بأن العلم مراد به الظن الذي يقول به جمهورهم.
     ويتضح أنه لم يقرأ عبارات المحدثين والأئمة في تصريحهم بالعلم اليقيني ، واستدلالهم عليه بما هو معلوم من الأدلة الشرعية والعقلية كما تقدم ، مما لا يحتملها التأويل الذي قاله ، ولا أنهم أرادوا العلم الظاهر ، كما نقله ورده، ولهذا لما نقل ابن الهمام في التحرير تأويله الأول رده بتصريح ابن الصلاح بالقطع بمروي الشيخين فأما قول الآمدي أن فيهم من قال يفيد العلم بمعنى الظن، واستدلوا بقوله تعالى: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ أي ظنتموهن، فهذا قول لا حقيقة له ، وإن وجد من يقوله ، فلا فرق بينه وبين قول الأكثرين منهم، بأنه لا يفيد العلم اليقيني مطلقا ، فإنهم لم ينفوا إفادته للظن.
     وقد علمت أن هذا أحد التأويلين اللذين سلكهما الغزالي في صرف القول الأول عن ظاهره، ولو كان يعلمه قولا لأحد لحكاه، ولم يجعله احتمالا ، وعلمت أيضا أن الغزالي ذكر الآية في دليل من قال: المراد العلم الظاهر، لا العلم بمعنى الظن، ولما كان أهل الأصول قد وضعوا لهم قواعد كلية، حكموا بموجبها على كل خبر بحكم موافق لتلك القواعد التي لم يكن مستندهم فيها إلا أدلة عقلية، بزعمهم يقينية، وهي وهمية، جعلوها مطردة، فحكموا لأجلها بأن مفاد أخبار الآحاد الظن، ثم إنهم تناقضوا بعد ذلك بإيجابهم العمل بها، لما رأوا أدلة وجوب العمل متواترة، وقبول السلف لها مشهورا ، ورأوا هذا مطردا بين المسلمين سلفا وخلفا ، فلم يجدوا بدا من القول بأنها توجب العمل، مما هو هدم لقواعدهم من الأساس.