شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
أخبار الآحاد
53999 مشاهدة
الفصل الأول ماهية الخبر

  تعريف الخبر
   الخبر لغة مشتق من الخبار، وهي الأرض الرخوة ذات الحجارة، ومنه الحديث: نهى عن المخابرة وفي المثل: من تجنب الخبار أمن العثار .
 وسمي الخبر خبرا لأنه يثير العلم في النفس، كما تثير الأرض الغبار عندما يقرعها الحافر ونحوه.
وأما في الاصطلاح: فاعلم أن العلماء قسموا الكلام إلى خبر وإنشاء، وذلك أن اللفظ العربي عندما يُصاغ مضمنا معنى مفهوما للسامع فإن ذلك المعنى إما أن يكون إفادة للمخاطب، وإعلاما له بما حصل منه، أو من غيره، وهذا ونحوه ما يسمونه خبرا ، وإما أن يكون مبتدأ من المتكلم، مطالبا بفعل أو كف ونحوهما، ويسمى إنشاء، وقد أكثر الأصوليون القول في تعريف الخبر، وتوقف بعضهم في حده، إما لظهوره بالضرورة للمخاطب الذي يعرف مفردات ذلك التعريف وإما لكون الحد يلزم أن يكون مسبوقا بفهم تلك المفردات التي تركب منها، فيلزم منه الدور، والذين عرفوه أورد على تعاريفهم إشكالات ومناقشات دخلتها صناعة الكلام في الرد والعقيب بما لا طائل تحته.
وأسلم تلك التعريفات ما ذكره الموفق في الروضة وغيره: أن الخبر هو الذي يتطرق إليه التصديق والتكذيب . أي: يصح أن يُقال لصاحبه: صدق أو كذب. ذلك أن المتكلم إن أخبر عن معنى من المعاني مطابق لما في نفس الأمر وهو مع ذلك معتقد لصحة ما أخبر، فهذا هو الصدق، فإن كل من سمعه وقد عرف حقيقة ذلك الأمر سيوافق على ما أفاده. أما إن أخبر بما لا يعتقد صحته، أو أخبر معتقدا صحته ولم يكن في نفس الأمر كما ظن، فإن هذا غير صدق، وسيكذبه كل من سمعه، وقد اتضح له خلاف ما يقول.
ولما كان المحدثون قد اصطلحوا على كلمات كثيرة نقلوها من معانيها اللغوية، إلى ما يقاربها في الظاهر من علوم الحديث والإسناد التي لم يكن للعرب بها معرفة من قبل، كان من جملة تلك الكلمات لفظ الخبر، ولفظ الحديث، فمن أهل المصطلح من جعلهما مترادفين، ومنهم من جعل الخبر أعم، فيدخل فيه ما نقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن غيره، ومنهم من خص الخبر بالموقوف على الصحابة ومن دونهم، فلا يعم الحديث الذي هو خاص بالمرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وواضح من حيث اللغة صدق الخبر على ما نقله لنا المحدثون بأسانيدهم إلى أن تتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم فلهذا المعنى أدخلها الأصوليون تحت عنوان الأخبار.
أقسام الخبر باعتبار وصوله إلينا
عندما تلقَّى الصحابة تلك السنن عن نبيهم صلى الله عليه وسلم طبقوها على أنفسهم، ثم نقلوها إلى من أدركهم واتصل بهم من تلاميذهم، وهكذا من بعدهم، وقد استمر هذا النقل من راوٍ إلى آخر بعده، حتى وصلت إلى العلماء الذين دونوها في مؤلفاتهم كما هي، وقد وصلت إلينا تلك المؤلفات محفوظة كاملة، برواتها ومتونها، بألفاظها ومعانيها، بدون نقص أو تغيير. ثم إن المحدِّثين والأصوليين بعد أن تتبعوا تلك الأخبار ألفوا منها البعض نقله العدد الكثير، ممن تحيل العادة اتفاقهم على الكذب، عن مثلهم إلى آخر السند والبعض الآخر ليس كذلك، فاصطلحوا على تسمية الأول بالمتواتر، والثاني بالآحاد.
ومن المتحقق أن هذا التقسيم لم يكن معروفا بين الصحابة والتابعين الذين إنما يعتبرون صحة المنقول وبطلانه غالبا باعتبار حال الناقل له من ثقته وأمانته أو ضد ذلك، فاتضح أن هذا التقسيم اصطلاح حادث بين المحدِّثين وأهل الأصول كسائر علوم الحديث، وقد زاد الحنفية قسما ثالثا سموه بالمشهور، وعرفوه بأنه ما كان أصل رواته آحادا ثم تواتر بعد القرن الأول، (كحديث عمر ) إنما الأعمال بالنيات فإنه لم يروه في القرن الأول إلا يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمه بن وقاص الليثي عن عمر ثم تواتر في القرن الثاني، حيث رواه عن يحيى العدد الكثير والجمهور على عده قسما من أقسام الآحاد كما سيأتي.