إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
أخبار الآحاد
53965 مشاهدة
القرائن المتصلة

     ثم إن القرائن تنقسم إلى : متصلة، ومنفصلة.
أولا القرائن المتصلة:
   فيراد بها أحوال الراوي أو المروي أو السامع:
(أ) أما أحوال الرواة : فمثل كونهم من أهل الصدق والأمانة إلى آخر الشروط ، ومثل توافق العدد على نقل حديث واحد ، أو توارد راويين على سياق متقارب ، مع اختلاف الآراء، وتباعد الديار، مما يعلم به أنهما لم يتواطآ عليه ، ويبعد في العادة اتفاقهما على الكذب فهذه ونحوها قرائن تحصل العلم اليقيني بخبرهم (ب) أما أحوال المروي: فإن كلام النبي صلى الله عليه وسلم عليه من النور والبهاء والقوة في الأسلوب ما يعرفه به المتبصر في الدِّين.
 وكذا موافقته لما تهدف إليه الشريعة وكذا تأيده بالنصوص الأخرى بمعناه كل هذه قرائن توجب العلم القطعي به فلا يلتبس بالكذب والباطل على كل ذي عقل وفهم صحيح، فإن على الحق نورا يبصره ذو البصيرة السليمة الذي يفرق بين الخبر الصادق والكاذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يفرق بين الليل والنهار.
(جـ) أما أحوال السامع: فإن من كان من أهل الحديث المشتغلين بالسنة، والعالمين بمقاصد الشرع، وبأحوال الرجال كانت معرفته بالحديث أتم، وتمييزه بين الصادق والكاذب أقوى، بخلاف المعرضين عن ذلك الذين لا اشتغال لهم بعلم الحديث، وليس لهم خبرة بأحوال نقلته، فإنهم بمعزل عن معرفة الصحيح منه والسقيم، فلا يتأثرون بالقرائن ولا يفرقون بين الأخبار كما هو مشاهد.
وقد يدخل في القرائن المتصلة تلقي الأمة للخبر بالقبول، وعملهم بموجبه أو اشتغالهم بتأويله، كما تقبلوا أحاديث الصحيحين في الجملة، وغيرهما مما ثبت كونه من الدِّين، بإطباق جمهور الأمة على العمل بما تضمنته.
قال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة : والخبر المتحف بالقرائن أنواع: 1- منها ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما، مما لم يبلغ حد التواتر، فإنه احتفت به قرائن . (أ) منها جلالتهما في هذا الشأن.
(ب) وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما.
(جـ) وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول.
   وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن حد التواتر.
إلا أن هذا يختص بما لم ينتقده أحد من الحفاظ مما في الكتابين .
وبما لم يقع التجاذب بين مدلوليه، حيث لا ترجيح لاستحالة أن يفيد المتناقضان العلم، من غير ترجيح لأحدهما على الآخر.
 وما عدا ذلك فالإجماع حاصل على تسليم صحته.
وممن صرح بإفادة ما أخرجه الشيخان العلم النظري الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني ومن أئمة الحديث أبو عبد الله الحميدي وأبو الفضل بن طاهر .
2- ومنها المشهور إذا كان له طرق متباينة، سالمة من ضعف الرواة والعلل. وممن صرح بإفادته العلم النظري الأستاذ أبو منصور البغدادي والأستاذ أبو بكر بن فورك وغيرهما.
3- ومنها المسلسل بالأئمة الحفاظ المتقنين، حيث لا يكون غريبا ، كالحديث الذي يرويه أحمد بن حنبل مثلا ويشاركه فيه غيره ، عن الشافعي ويشاركه فيه غيره ، عن مالك بن أنس فإنه يفيد العلم عند سامعه بالاستدلال من جهة جلالة رواته، وأن فيهم من الصفات اللائقة الموجبة للقبول ما يقوم مقام العدد الكثير من غيرهم. ولا يتشكك من له أدنى ممارسة بالعلم وأخبار الناس أن مالكا مثلا لو شافهه بخبر أنه صادق فيه، فإذا انضاف إليه من هو في تلك الدرجة أزداد قوة وبعدا عما يخشى عليه من السهو. انتهى .
  وعلى أن المراد بالقرائن هذا النوع يتلاقى هذا القول مع القول الأول ، وهو أنه يفيد العلم، فإن الأولين لم يكونوا يقطعون بكل خبر سمعوه، ولا بكل ما قيل إنه حديث.
كيف وقد اشتهر تقسيمهم الأحاديث إلى صحيح وحسن وضعيف ؛ وحكمهم على كثير مما يسمى حديثا بأنه موضوع مكذوب ، مع أنه خبر منقول بسند ورجال مسمين غالبا .
وسبق ذكر ما اشترطوه في قبول خبر الواحد، وإفادته العلم من كون رواته ثقاتٍ عدولا ... إلخ.
مما يدل على أن من لم يستوف تلك الصفات لا يقبل خبره ، ولا يفيد العلم، وإن أفاد الظن الغالب أحيانا .