جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
shape
أخبار الآحاد
68365 مشاهدة print word pdf
line-top
الدليل الثالث إجماع الأمة على قبول خبر الآحاد

النوع الثالث إجماع سلف الأمة على قبول أخبار الآحاد :
وقد نقل عن الصحابة والتابعين من الآثار الدالة على اكتفائهم بخبر الواحد ما لا يحصى إلا بكلفة، فنشير إلى طرف من ذلك. 1- ففي الصحيحين عن ابن عمر قال : بينما الناس بقباء في صلاة الصبح، إذ جاءهم آت فقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة .
 وقد رويت هذه القصة عن البراء وأنس وابن عباس وعمارة بن أوس وعمرو بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسهل بن سعد وعثمان بن حنيف ومن طرق كثيرة .
  فانظر كيف اعتمدوا خبر هذا الشخص، وتحولوا عن قبلة كانت متحققة الثبوت عندهم، ولا شك أن قد اطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولم ينقل أنه أنكر عليهم.
2- وفي الصحيحين أيضا عن أنس قال : كنت أسقي أبا طلحة وأبا عبيدة، وأبي بن كعب شرابا من فضيخ ، فجاءهم آت ، فقال: إن الخمر قد حرمت. فقال أبو طلحة: قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرها فقد أقدموا على إتلاف مال محترم، تصديقا لذلك المخبر، وهم من أهل القدم في الإسلام، ولم يقولوا: نبقى على حلها حتى يتواتر الخبر، أو نلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم. مع قربهم منه، ولم ينقل أنه أنكر عليهم عدم التثبت.
3- وعن أبي موسى في قصة دخول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الحائط وقوله: لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاء أبو بكر فقلت: على رسلك حتى أستأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبت فاستأذنت له فقال: (أذن له وبشره بالجنة) ثم جاء عمر ثم عثمان فكان شأنهما كذلك متفق عليه مطولا .
 فقد اعتمد هؤلاء الصحابة الأجلاء خبر أبي موسى وحده في الإذن.
4- ومثله حديث عمر الطويل المتفق عليه لما احتجر النبي - صلى الله عليه وسلم - في مشربة له، فجاء عمر فقال للغلام: استأذن لعمر. فأذن له فدخل . فقد قبل عمر خبر هذا الغلام وحده، مع أن الله نهى عن دخول بيوت النبي صلى الله عليه وسلم إلا بإذن.
5- وفي حديث عمر المذكور أنه كان له جار من الأنصار، يتناوب معه النزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا غاب أحدهما أتاه الآخر بما حدث وتجدد من الوحي والأخبار، وهو ظاهر في أن كلا منهما يعتمد نقل صاحبه.
6-
وروى أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه أن عمر رضي الله عنه كان يجعل الدية للعاقلة، ولا يورث الزوجة منها حتى أخبره الضحاك بن سفيان أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من ديته، فرجع إليه عمر .
7- وروى أحمد أيضا وأبو داود وابن ماجه وغيرهم، عن ابن عباس أن عمر قال: أذكر الله امرأ سمع من النبي صلى الله عليه وسلم في الجنين شيئا ، فقام حمل بن مالك فقال: كنت بين جارتين لي، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح، فألقت جنينا ميتا ، فقضى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغرة، فقال عمر: لو لم نسمع به لقضينا بغيره .
8- وهكذا رجع عمر بالناس حين خرج إلى الشام فبلغه أن الوباء قد وقع بها، لما أخبره عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا سمعتم به ببلدة فلا تقدموا عليه متفق عليه .
9- وقبل خبر عبد الرحمن أيضا في أخذ الجزية من مجوس هجر، بعد أن قال : ما أدري كيف أصنع في أمرهم ! رواه البخاري وأحمد والدارمي وأبو داود والترمذي وغيرهم .
10- وروى البخاري أيضا ، وأحمد وغيرهما ، عن ابن عمر أن سعدا حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يمسح على الخفين ، وأن ابن عمر سأل عن ذلك عمر فقال: نعم إذا حدثك سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فلا تسأل عنه غيره .
11- وروى أحمد والشافعي ومالك وأهل السنن وغيرهم حديث الفريعة بنت مالك وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله. قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا، قالت: فلما كان عثمان أرسل إلي يسألني عن ذلك، فأخبرته فاتبعه وقضى به .
فقد قبل عثمان رضي الله عنه خبر هذه المرأة وقضى به بين الصحابة.
12- وكذا قبل زيد بن ثابت خبر أم سليم بنت ملحان في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها وهي حائض أن تنفر وتدع طواف الوداع، بعد ما اختلف مع ابن عباس في ذلك، والخبر رواه الشافعي وأحمد والبيهقي وغيرهم .
13- وكذا رجع كثير من الصحابة إلى خبر عائشة في الاغتسال  من التقاء الختانين، وقد كانوا لا يرونه. متفق عليه .
14- وثبت عن ابن عمر أنه قال : كنا نخابر ولا نرى بذلك بأسا ، حتى زعم رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها، فتركناها من أجل ذلك .
فانظر كيف اعتمد خبر رافع وحده، وترك ما كان يعتقده مباحا ، تقديما لما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
15- ورجع ابن عباس إلى خبر أبي سعيد في تحريم ربا الفضل، وقد اشتهر عنه القول بإباحته .
16- وهكذا عمر بن عبد العزيز لما حكم على مخلد بن خفاف أن يرد غلة ذلك العبد الذي ظهر فيه على عيب، فأخبره عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الخراج بالضمان فنقض حكمه، وقدم الحديث المرفوع، وإن كان خبر واحد . وبالجملة فعمل الصحابة والتابعين بخبر الواحد لا يمكن إنكاره بل إنهم يشنعون على من رده، ويغلظون  عليه في الإنكار.
ولم ينقل أن أحدا منهم قال : إن هذا خبر واحد يمكن عليه الخطأ، فلا تقوم به الحجة حتى يتواتر، ولو قال أحد منهم ذلك لنقل إلينا.

ولا يظن أنهم قبلوها لما احتف بها من القرائن ، أو ألحقوا تلك الوقائع بغيرها على طريق القياس، أو نحو ذلك من التقديرات التي لا دليل عليها، فإنه يمكن تقدير ذلك في دلالات القرآن، والأخبار المتواترة، وذلك فيه إبطال لجميع الأدلة الشرعية.
ولو كان اعتمادهم على غير هذه الأخبار فقط، أو عليها معها لنقل إلينا. بل إن مما يبطل هذه الاحتمالات تصريح بعضهم بأن اعتماده لم يكن إلا على النص كما قال عمر لو لم نسمع هذا لقضينا بغيره.

line-bottom