أسماء الله وصفاته
إثبات صفة البصر لله تعالى وبيان ثمرة الإيمان بها
وأما البصر فقد قرن الله تعالى البصر بالسمع في بعض الآيات التي ذكرنا كقوله تعالى: رسم> إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ قرآن> رسم> في قوله: رسم> سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ قرآن> رسم> قرن بين السمع والبصر، السميع الذي يسمع الأصوات، والبصير الذي يدرك المبصرات، البصر هو: إدراك المبصرات يعني: إدراك المرئيات، يطلق عليه اسم البصر؛ أبصر فلان كذا، ويأتي بلفظ الرؤية؛ رأى فلان كذا وكذا، ورد ذلك أيضا في حق الله تعالى في قوله لموسى اسم> وهارون اسم> رسم> إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى قرآن> رسم> لم يقل هنا: وأبصر؛ إذ أنه أثبت لنفسه اسم البصير في عدة آيات؛ والبصير هو الذي يرى ولا يخفى عليه شيء من أمور عباده، وكذلك أيضا أخبر بأنه يطلع على أمور عباده، ولا يخفى عليه منهم دقيق ولا جليل، قال الله تعالى: رسم> وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ قرآن> رسم> أي: نراكم ونشاهدكم ونراقبكم عندما تفيضون في هذا الأمر من الأمور لا تخفون علينا، فيقول العلماء: إن الله تعالى بصير بالعباد، ويطلق البصر على العلم ويطلق على الرؤية، بصير بالعباد بمعنى: أنه عالم بهم، يعلم من يستحق الهداية أو الإضلال يعلم من يستحق الفضل أو عدمه، بصير بالعباد يعني: يعلم من هو أهل للإيمان أو للكفر، هذا معنى من معاني البصر؛ ولكن المراد في أكثر المواضع البصر الذي بمعنى الرؤية يعني: أنه يرى عباده ،كما في الآية التي ذكرنا وهي قوله تعالى: رسم> الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قرآن> رسم> يعني: ولو كنت في ظلمة في مكان خفي فإنه يراك ويطلع عليك .
يقول العلماء: إن الله تعالى بصير لا يستر بصره حجاب، لا يحجبه عن خلقه شيء من مخلوقاته؛ بل لا يحتجب ذو شأن بحيث لا يطلع عليه ولا يراه الرب سبحانه وتعالى.
وفائدة الإيمان بهذا البصر -بإبصار الله تعالى هي مراقبة الله، مراقبته فلا يقدم على ذنب ولا يعمل سيئة، إذا هم بشيء يقول: كيف أفعله وأنا أمام الله تعالى؟ يراني في كل حالاتي، وقد علمت بأنه قد نهاني، وقد حرم علي ذلك، فمن استحضر أن الله تعالى يراه في كل الحالات؛ فإنه لا تحدثه نفسه أن يقدم على ذنب أو يفعل أي معصية وهو يعلم أنه بمرأى ومسمع من الله، ويعلم أن ربه حرم عليه ذلك، وأنه قادر على أن يعذبه، وينتقم منه.
ذكر أن رجلا كان قد عشق امرأة، وأغرم بها فقال له بعض أصحابه: لو خلوت بها في مكان بعيد عن الناس، لا يراكما إلا الله، ماذا تفعل معها؟ فقال: لا أجعل ربي أهون الناظرين، هكذا تكون المعرفة، يعني: لا أتهاون بنظر ربي، الله تعالى ينظر إلي، قد عرفت أنه نهاني وحرم عليَّ فعل الفاحشة فكيف أتهاون بنظره؟ لو كان ينظر إلي أبوها لهبت أن أمسها أو أن أقبلها، وأبوها أو أخوها أو زوجها ينظر، وربنا أقدر منهم، الله قادر أن ينتقم مني ويعذبني ويهلكني في لحظة، وقدرته أقوى من قدرة أوليائها، هذا أثر المعرفة، لا أجعل ربي أهون الناظرين، وهكذا يكون كل عاقل إذا خلا بمعصية؛ فلا يقول: إني خال. يقول بعض الشعراء:
إذا ما خلوت الدهـر يومـا فلا تقل | خـلوت ولكــن قـل علـي رقيب |
الرقيب: هو الله تعالى رسم> وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا قرآن> رسم> أي: مراقب لعباده، يطلع على أحوالهم ويعلم سرائرهم وما تخفيه ضمائرهم، فلا تقل: خلوت؛ ولكن قل: علي رقيب .
ذكر ابن رجب اسم> أيضا في بعض كتبه: أن رجلا راود أعرابية على نفسها في ليلة ظلماء، في برية، فقال لها: ما يرانا إلا الكواكب، فقالت تلك الأعرابية الجاهلة: فأين مكوكبها؟ استحضرت أنها مخلوقة مدبرة مسخرة، وأن الذي كوكبها يعني خلقها وسيرها لا يخفى عليه خافية، وأنه يرى جميع العباد في كل الحالات، فهكذا تكون مراقبة الله تعالى إذا علم المؤمن التقي أنه دائما بمرأى ومسمع وأنه لا يخفى على ربه منه خافية لم يستطع أن يتجرأ على المعصية التي يعلم أنها حرام، وأن الذي حرمها يراه.
لو أن أميرا من الأمراء أو ملكا من الملوك حرم اعتداء على شيء -على إنسان مثلا أو على شجرة أو نحو ذلك- فهل يجرؤ أحد أن يقطع تلك الشجرة ؟ وذلك الملك يراه، ومعه قوته، ومعه جنوده الذين هم مزودون بالأسلحة، يعلم أنه لو قطعها لبطشوا به، كيف يقدم عليها؟ وقد علم أن ذلك الملك نهى عن قطعها أو نهى عن هدم هذا الجدار أو ما أشبه ذلك، فإذا كان هذا في حق المخلوق؛ أنه لا يتجرأ أحد على أن يطلب أو يفعل شيئا نهى عنه وهو يرى فكيف بالخالق ؟! فهذا أثر الإيمان، من آمن إيمانا حقيقيًّا يقينيًّا بأن الله تعالى يراه ويراقبه لم يعصه طرفة عين.
في وصية بعض العلماء أو بعض النساك لأحد تلاميذه يقول : استحي من الله أن يراك حيث نهاك، أو يفقدك حيث أمرك يعني: خف من الله أن تفعل شيئا نهاك عنه، وتعلم أنه يراك، يراك تفعل شيئا نهاك عنه، أو يفقدك في مكان أمرك بفعله، يفقدك في المساجد في صلاة الجماعة، وقد أمرك بذلك، أو يراك في أماكن الرقص وأماكن الغناء وأماكن اللهو، وتعلم أنه قد نهاك، استحي من الله أن يراك حيث نهاك، وأن يفقدك حيث أمرك.
وكل هذا إقرار بأن الله تعالى يرى عباده في كل حالاتهم، وأنه بصير بأحوالهم، ومراقب لهم، لا يخفى عليه منهم أحد مهما احتجب ومهما تستر.
في الحديث الذي في الصحيح رسم> أن ثلاثة بمكة اسم> خلوا بمكان فقال أحدهم: هل ترون أن الله يرانا في هذا المكان أو يسمعنا؟ فقال آخر: يسمعنا إن جهرنا، ولا يسمعنا إن أخفينا، فقال الثالث مستنكرا: إن كان يسمعنا في الجهر فإنه يسمعنا في السر، أنزل الله تعالى قوله: رسم> وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ قرآن> رسم> متن_ح> رسم> تظنون أن الله لا يعلم أحوالكم، ولا يطلع على خفاياكم، ولا أسراركم ... كما كنتم تستترون من الله تعالى، فيفيد أن أهل العلم وأهل الإيمان وأهل الصدق هم الذين لا يجرؤون على أن يفعلوا شيئا مما حرمه الله، وهم بمرأى من ربهم ومسمع، فهذه فائدة الإيمان برؤية الله تعالى.
مسألة>