قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
أسماء الله وصفاته
25823 مشاهدة
أول من قال بخلق القرآن

ثم ممن ورث بدعة الجهم رجل تسمى بشر بن غياث المريسي ؛ وذلك لأنه تربى على يديه، أو تلقى بدعته عنه، فكان بذلك معتزليا جهميا، انتحل هذه النحلة، وظهر في وسط القرن الثاني أو في آخره، وأظهر بدعته، ودعا إلى القول بأن القرآن مخلوق، وبالغ في ذلك -في نشر هذه البدعة- وألف في ذلك رسالة، أو ألفها تلميذ له، أخذها من كلامه، وسماها بمعتقد بشر بن غياث المريسي والذي كتبها أو جمعها يقال له: محمد بن شجاع الثلجي ولما جمع هذه الرسالة اطلع عليها أحد علماء السنة وهو الدارمي فرد عليه برد مطبوع -قد طبع مرتين أو أكثر- وذكر اسمه عليه، بقوله رد الإمام الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد، هكذا عنوانه يدل على ما كان عليه السلف رحمهم الله من الحماسة والغيرة على محارم الله تعالى وعلى حدوده، وعلى صفاته، وعلى أسمائه فهو سماه العنيد على بشر المريسي العنيد .

وفي بعض النسخ فيما افتراه من إنكار التوحيد أو من إبطال التوحيد، رده رد فيه شيء من القوة؛ إلا أنه حمله قوة الإثبات على أن صرح ببعض الكلمات التي لم يرد عليها دليل، كإثبات المكان، أن لله تعالى مكانا، أراد بذلك المبالغة في الرد على هؤلاء الذين أنكروا الجهة، أن الله تعالى في جهة، الدارمي هذا، ألف هذا الرد، وله أيضا كتاب آخر مطبوع عنوانه: الرد على الجهمية ذكر فيه أدلة الإثبات؛ بحيث إنه يبالغ في إثبات هذه الصفات؛ في إثبات الصفات الفعلية والذاتية، ويذكر ما عليها من الأدلة، إذا تكلم على صفة العلم ذكر الأدلة الكثيرة من الآيات في إثبات صفة العلم، وكذلك من الأحاديث.
وهكذا أيضا كلامه حول ما يتعلق ببقية الصفات، مما يدل على أن السلف رحمهم الله كانوا يثبتون أسماء الله تعالى ويثبتون صفاته.
ثم في أوائل القرن الثالث تمكن هؤلاء المعتزلة وقويت شوكتهم، واستولوا على أحد الخلفاء العباسيين وهو الخليفة المأمون ولما استولوا عليه أدخلوه في معتقدهم، أدخلوه في إنكار الصفات الفعلية والصفات الذاتية، وإنكار أن الله فوق عباده أو أنه مستو على عرشه، وإنكار بقية صفات الأفعال وما أشبهها.
وإنكار أن يكون الله متكلما، وأن القرآن كلام الله، وجعلوا القرآن مخلوقا، أي: كسائر المخلوقات، ولما استولوا على هذا الخليفة زينوا له أن يمتحن أهل زمانه من العلماء، وأن يجبرهم على هذا القول، -على القول بأن القرآن مخلوق- وجمع من حوله ممن يؤيده على هذا، وكان رئيسهم يقال له: أحمد بن أبي دؤاد كان من المتشددين في هذا المعتقد في إنكار الصفات وفي أن القرآن مخلوق، فهو الذي زين هو ومن معه للخليفة أن يمتحن الناس، فصاروا يمتحنون أهل العلم والمحدثين، ويأتون بهم ويعذبونهم، ويكرهونهم على أن يقولوا: إن القرآن مخلوق، فوافق على ذلك كثير من أهل ذلك الزمان، وادعوا بعد ذلك أنهم ما وافقوا إلا مكرهين، وإلا فإنهم على ما كانوا عليه .
وانخدع بهذا خلق كثير وانتحلوا هذه النحلة، وانتشر وتمكن هذا المعتقد الخاطئ، وكان من جملة المعتقلين والذين أوذوا الإمام أحمد رحمه الله، ولما أنه تمسك بعقيدته توجهوا به إلى الخليفة؛ فدعا الله ألا يريه إياه؛ فمات قبل أن يصل إليه الإمام أحمد واستجاب الله تعالى دعوته، ولكن تولى بعده أخوه المعتصم مع أنه كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، ولكن استولى عليه هؤلاء وزينوا له أن ما هم عليه هو الصواب، وأنه يجب أن يلزم الناس ويكرههم على ما هو عليه من هذا الاعتقاد، فوصلوا بالإمام أحمد إلى المعتصم ؛ فأمرهم بأن يناظروه وأتوا بما عنده.