أسماء الله وصفاته
تأويلات المعتزلة لنفي البصر والعين لله تعالى
الذين أنكروا كالمعتزلة إثبات البصر وإثبات العين أخذوا يحرفونها ويصرفونها؛ فيقولون في قوله رسم> فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا قرآن> رسم> أي: في علمنا أو بمرأى منا، تأويل أو معنى كونه: بأعيننا المعنى: أمام أعيننا، وليس المراد بداخل العين، أو أننا نحرسك بأعيننا رسم> وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا قرآن> رسم> أي: نحرسك بأعيننا لا تغيب عنا، أي: أنت بمرأى منا وبمسمع، ومن كان بمرأى فإنه لا يخاف، لو أن طفلا مثلا فزع وخاف من شيء يحذره كسبع مثلا أو عدو أو نحو ذلك؛ فإن والده يقول : إنني أراك، إنك أمام عيني ، يثبته حتى لا يفزع، فقول الله تعالى: رسم> تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا قرآن> رسم> أي: أمام أعيننا وبحراستنا أي: نحرسها ونجريها كما نشاء، وهذا في سفينة نوح اسم> وكذلك قوله: رسم> وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا قرآن> رسم> أي: أمام أعيننا نحرسك وننصرك ونحميك من المخاوف التي تخافها والتي تحذرها، فكل ذلك دليل على إثبات هذه الصفة، فإن من كان أمام عين الله تعالى أو أعينه فإن ذلك يدل على تأمينه .
فالحاصل أن الله أثبت العين بلفظ المفرد لما أنه أفرد الضمير، رسم> وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي قرآن> رسم> وجمعها لما جمع الضمير رسم> فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا قرآن> رسم> وكل ذلك دليل على إثبات هذه الصفة؛ فأثبت الله تعالى لنفسه البصر رسم> وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ قرآن> رسم> وأثبت لنفسه الرؤية رسم> إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى قرآن> رسم> وأثبت لنفسه العين في قوله: رسم> وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي قرآن> رسم> فأهل السنة يثبتون ما أثبته الله تعالى لنفسه، ولا شك أن هذا كمال، وأن نفيه نقص وعيب، فإن من فقد البصر؛ وصف بأنه أعمى فاقد للبصر؛ وذلك -بلا شك- نقص وعيب، ثم الذين نفوا ذلك -وهم المعتزلة والجهمية ونحوهم- شبهتهم أن البصر والعين تكون في هذه المخلوقات- في جميع المخلوقات الحية- جعل الله تعالى فيها الأعين، في الإنسان وفي الإبل وفي البقر وفي الغنم -ضأنها ومعزها- وفي الوحوش وفي الطيور وما أشبهها فيكون إثباتها للرب تشبيها.
ثم قالوا أيضا: إن العين أو إن البصر لا يكون إلا بهذه العين، والعين مخلوقة وتتركب من طبقات وفيها حدقة وفيها أجفان وأهداب، وطبقات وإنسان العين وما أشبه ذلك، وهذا يستلزم التشبيه وما أشبه ذلك من شبهات، ونحن نقول: إن كل هذا خوض فيما لا حاجة إليه وتكلم بما لا علم للإنسان به، وإن الإنسان يجب أن يستسلم لأمر الله تعالى ولخبره، وأن يوافق على ما جاءه من صفات الله تعالى: ويقبلها -كما جاءت- دون أن يشبهها بشيء من صفات المخلوقين، ودون أن ينفيها ويعطلها، فنفيها تعطيل وإبطال، وتشبيهها بصفات المخلوقين تشبيه وتمثيل، وكلاهما لا يجوز لا في هذه الصفة ولا في غيرها من الصفات.
يقول ابن القيم اسم> رحمه الله في النونية:
لـسـنا نشبـه ربنـا بصفـاتـنا | إن المشـبـه عـابــد الأوثــان |
كـلا ولا نخليـه مـن أوصـافـه | إن المـعـطـل عـابـد البهتــان |
واللـه لسـت بجـهمي أخـا جهل | يقـول في الله قـولا ليس يعتمـد |
كـلا ولست بـربي مـن مشـبهة | إذ مـن يشـبهه مـا بعـده جسد |
شبهة المعتزلة أيضا -الشبهة العقلية- إذا قيل لهم: إنكم إذا نفيتم هذه لزمكم إثبات ضدها، إذا نفيتم السمع لزمكم إثبات الصمم، وإذا نفيتم صفة البصر لزمكم إثبات العمى، يعللون ويقولون: إن هذا ليس بمضطرد، إنما يكون ذلك فيما هو قابل، وأما ما ليس بقابل فلا يلزم فيه ذلك، ذكر شيخ الإسلام: أنهم يمثلون بالجدار، يقولون: الجدار لا يقال له: حي ولا ميت؛ لأنه ليس بقابل، ولا يقال له: قادر ولا عاجز؛لأنه ليس بقابل، ولا يقال له: سميع ولا أصم، ولا يقال: عالم ولا جاهل، ولا يقال: بصير ولا أعمى، يصح أن ينفع في الضدين رد عليهم أيضا شيخ الإسلام بأن هذا ليس كذلك؛ بل يوصف بموت كما في قول الله تعالى: رسم> أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ قرآن> رسم> يعني: أصنام الكفار وصفها بأنها أموات، وكذلك عابها بنقصها حيث نفيت عنها تلك الصفات، ولا شك أن هذا نقص لما ذكر معبوداتهم قال تعالى: رسم> أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ قرآن> رسم> فعابها بنقصها حيث نفيت عنها هذه الصفات التي هي صفات الكمال؛ فدل على أن إثباتها صفات كمال، وأن نفيها نقص، ثم نفيت عن هذه المخلوقات التي يعبدونها أويصورونها، فقال الله تعالى: رسم> قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ قرآن> رسم> إن كانت تقدر أن تنتقم حيث نفيت عنها هذه الصفات التي إذا نفيت اتصفت بالنقص؛ فلا مانع من أن نقول: إن هذه الأسطوانة لا تسمع، إنها صماء أو إنها بكماء أو إنها ميتة، ولو كانت في اصطلاحكم غير قابلة.
مسألة>