لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
أسماء الله وصفاته
25882 مشاهدة
الرد على من أنكروا صفات الله تعالى

وقد أنكر هذه الصفة المعتزلة والجهمية، أنكروا صفة العلم، وأنكروا صفة القدرة، واضطربوا في الأدلة التي تثبتها. قد رد عليهم العلماء رحمهم الله، من جملة من استوفى الأدلة على العلم الدارمي عثمان بن سعيد في رسالته المطبوعة التي هي بعنوان: الرد على الجهمية؛ فإنه لما ذكر صفة العلم سرد الأدلة من القرآن.كأنه استعرض لما في القرآن من آيات، وكذلك أيضا سرد الأدلة الحافظ الحكمي في كتابه الذي هو: معارج القبول شرح سلم الوصول إلى علم الأصول.
وكثرةُ الأدلة وتنوعها يدل على إثبات هذه الصفة؛ حيث أثبتها الله تعالى، وحيث ذكر الحكمة في إثباتها وما يلزم ممن نفاها، ذكرها الله تعالى في آية الكرسي في قوله تعالى: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ والضمير يعود على الخلق متقدميهم ومتأخريهم؛ أي: يعلم ما يكون قبلهم أي: ما سبقهم من المخلوقات وعجائبها ومكوناتها، ويعلم ما خلفهم، أي: ما يكون بعدهم وما يخلفهم، عليم بأوليهم وبآخريهم، وإذا كانوا كذلك فإنه عليم بأعمالهم وعليم بأحوالهم، وكذلك قول الله تعالى: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ؛ يعني: قال بعضهم: إن السر هو ما يسره الإنسان في قلبه، ويحدث به نفسه، وأما الذي هو أخفى من السر فإنه يدخل فيه ما لم يخطر بباله؛ ولكن علم الله أنه سوف يتكلم به، أو سوف يحدث نفسه به، من الأمور الغيبية ومن الأمور المستقبلة؛ وإن لم يحصل في هذه الحال ولكن سوف يحصل.
لما ذكر الله تعالى صفاته في أول سورة طه في قوله تعالى: مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى وفي سورة الأعلى قول الله تعالى: يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ؛ الجهر: هو الجهر بالكلام، يعني: إظهاره وإعلانه، وإسماعه لمن حوله، سواء كان جهرا كبيرا أو صغيرا، يعلم الجهر وكذلك يعلم ما يخفى؛ أي ما يخفيه الإنسان وهو السر، دليل أيضا على واسع علم الله تعالى، ومعلوم أن من علم الخفي علم الجلي، وكذلك يصف الله نفسه تعالى بالعلم، ويذكر العلة في ذلك، مثل قول الله تعالى: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ أي: كيف لا يعلم من خلق وهو لطيف بعباده، وهو الخالق لهم، وهو السميع لأقوالهم، البصير بأحوالهم؟ فإن جهله بأحوالهم يعتبر نقصا في حقه؛ فلا بد أن يكون عالما بأحوالهم وبأقوالهم وبغير ذلك.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم علم الله تعالى القديم، علمه بكل شيء، في الحديث المشهور قال: أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب. قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة أي: كتب القلم، جرى بأمر الله تعالى وكتب ذلك في اللوح المحفوظ، وفي حديث عمران المشهور قال النبي صلى الله عليه وسلم: كان الله ولم يكن شيء قبله، وثبت وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السماوات والأرض هكذا أخبر بقوله: كان الله، وبقوله: كتب في الذكر، ويفسر الذكر بأنه: ما ذكره أو بأنه اللوح المحفوظ الذي كتب الله تعالى فيه كل ما هو كائن إلى يوم القيامة؛ وهذا اللوح هو الذي سماه أم الكتاب في قول الله تعالى: يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ أي هذا اللوح، وكذلك أخبر بأن القرآن مكتوب فيه، يعني: أزلا في قوله: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ أخبر تعالى: بأن القرآن في لوح محفوظ؛ يعني: مكتوب في ذلك اللوح، وكذلك أيضا مكتوب غيره، وفي هذا الحديث قال: أول ما خلق الله القلم وقد اختلف العلماء: هل القلم خلق قبل العرش أو خلق بعده؟ والراجح أن العرش قبل القلم، ذكر ذلك ابن القيم في النونية يقول:
والناس مختلفون في القلـم الـذي
كتب القضـاء بـه مـن الرحـمن
هل كان قبـل العـرش أم هو بعده
قولان عنـد أبي العـلا الهمـداني
والحـق أن العـرش قبـل لأنــه
وقت الكتـابـة كـان ذا أركــان

يعني: ترجح أن العرش خلق قبل اللوح وقبل القلم، فالذي في اللوح من العلم لا يعلمه إلا الله تعالى. العلم الذي اختص الله تعالى به لا يطَّلع عليه غيره إلا من أطلعه على شيء منه من الملائكة أو من الأنبياء؛ فهو علم الله الذي اختص به، يدخل فيه علم ما سيكون من الأمور المستقبلة إلى آخر الدنيا مما لم يطلع عليه أحد إلا الله تعالى؛ فهو داخل في العلم الخفي الذي اختص الله تعالى به.
ولا شك أن وصف الله تعالى بالعلم صفة كمال؛ فإن ضده الجهل، والجهل صفة نقص، كيف يجهل شيئا مما في الوجود وهو الذي أوجد الوجود، وهو الذي يوجدهم، وهو الذي يعلم أحوالهم، ويعلم ما سوف يعملون ويعلم مصيرهم؟ فإذا أثبتنا العلم فقد أثبتنا لله صفة كمال يتميز بها ويختص بها سبحانه وتعالى، ومن نفى هذه الصفة كالمعتزلة فإنه يعتبر متنقصا لله سبحانه وتعالى ومفضلا لبعض المخلوقين على الخالق تعالى؛ وذلك لأن العلم شرف لمن علم فليس من يعلم كمن لا يعلم؛ حتى في المخلوقين قال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ؛ أي: لا يستوون.