إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
باب بدء الوحي من صحيح البخاري
60819 مشاهدة
النية تفرق بين العادات والعبادات

...............................................................................


والحديث إنما جاء بها كمثال، وإلا فالأعمال كثيرة، فلذلك توسع العلماء في شرح هذا الحديث في قوله: إنما الأعمال بالنيات وقالوا: إن النية الصالحة يكون فيها أجر أكثر من النية غير الصالحة، وأن الإنسان يثاب على عمله إذا نوى به القربة إلى الله تعالى، وإن النية هي التي تعتبر بها الأعمال فيكون قوله: إنما الأعمال بالنيات يعني صلاح الأعمال أو فسادها يكون معتبرًا بالنية ، وكذلك أيضًا التمييز بين العادات والعبادات إنما يكون بالنية؛ وذلك لأن هناك أعمال صالحة لا بد فيها من النية.
تذكرون أن الصلاة من شروطها النية، والطهارة من شروطها النية، والصيام لا بد فيه من النية، وكذلك الطواف والسعي والإحرام وسائر العبادات لا بد فيها من النية، فمثلًا لو أن إنسانًا عليه حدث أصغر وقام من النوم وغسل يديه، وغسل وجهه، ونظف فمه وأنفه ليكون بذلك نشيطًا، وغسل أعضاءه كيديه ورجليه وقال: أريد النشاط، وأريد أن يذهب عني الكسل والتثاقل، هل يرتفع حدثه؟ هل يصلي بهذا الغسل؟ لا يصلي به؛ لأنه ما نوى أن هذا رفع للحدث، وإنما نوى رفعًا للكسل، أو رفعًا للعجز والنعاس أو ما أشبه ذلك.
فالوضوء لا بد له من النية، وكذلك لو كنت مثلًا محدثًا وقد نسيت حدثك وجاء إنسان وقال: علمني الوضوء. فأخذت تقول: اغترف الماء وقل هكذا، غسلت وجهك، ثم اغترف واغسل يدك، ثم اغترف واغسل يدك، ثم امسح برأسك هكذا، ثم اغسل قدميك تريد أن تعلمه، فمثل هذا لا يرفع حدثك؛ لأنك تريد تعليمه، لا تريد رفع الحدث عن نفسك.
وهكذا مثلًا لو جاء إنسان جاهل بالصلاة وأخذت تعلمه، فقلت مثلًا: استقبل القبلة هكذا وكبر قل: الله أكبر، ثم أخذت تصف له الصلاة من أولها إلى آخرها، فمثل هذا أيضًا لا تجزئك صلاتك عن فريضة عليك، وإنما فعلت ذلك لتعليم غيرك، فلا يكون بذلك هذا الفعل عبادة إنما قصدت بذلك التعليم.
قالوا ثم إن النية هي التي تفرق بين العادات والعبادات، العادات التي يفعلها الإنسان بحكم العادة، والعبادات التي يحتسب بها الأجر عند الله تعالى، فمثل هذا لا بد فيه من النية، فمثلًا إنسان يترك الطعام عادة من باب الحمية، أو أن الأكل يشق عليه أو يثقله، يترك الأكل نهاره كله من صباحه إلى مسائه، هل يكون له أجر الصائم؟ ليس له؛ لأنه ما تركه إلا حمية مثلاً، ما تركه لأجل أجر الصيام؛ فلا يكون والحال هذه صائمًا، ولا يجزيه تركه عن صيام كان عليه مثلًا، بخلاف ما إذا تركه لأجل النية لنية الصيام؛ ولذلك جاء في الحديث: من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له يعني الفريضة لا بد أنه ينويها من الليل.