القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير logo إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
shape
باب بدء الوحي من صحيح البخاري
78887 مشاهدة print word pdf
line-top
سؤال هرقل عن ملك آباء النبي صلى الله عليه وسلم وأجداده

...............................................................................


السؤال الثاني: سأله: هل كان من آبائه من ملك؟ يعني: هل أحد من آبائه وأجداده قد كان مَلِكًا مُطَاعًا في العرب، مُلْكُهُ مشتهر ومنتشر، فاعترف أبو سفيان وقال: لا، ليس له أب قد صار ملكا، يقول هرقل: لو كان من آبائه من ملك لَقُلْتُ: رجل يطلب مُلْكَ أبيه.. وهذا حَقٌّ بمعنى أن الذي يسلب ملك أبيه أو جَدِّهِ يحرص على أن يستعيد ويسترد ملك آبائه وأجداده كما هو الحاصل.
يعني: كانوا قديمًا يأخذون الملك بالوراثة، يأخذونه بالوراثة، فمن كان آباؤه ملوكًا كان يطالب بملك آبائه وأجداده، ولما لم يكن أحد من أجداد النبي صلى الله عليه وسلم قد صار مَلِكًا للعرب في أول الأمر، لم يكن هذا دافعًا له إلى أن يطلب الترأس، وإلى أن يطلب الملك، وإلى أن يطلب الشرف، فليس هو مثل الملوك، ولا يريد ملك الملوك، بل إنه صلى الله عليه وسلم كان يحب التواضع، ويحب تصغير نفسه، والتذلل لله تعالى.
ولهذا وصفه الله تعالى بالعبودية، وصفه بها في أشرف الصفات، وفي أشرف الأماكن، فقال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا وصفه بأنه عبد، ليس بملك، وكذلك في قوله: سبحان الذي أسرى بعبده وقوله الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا وكذلك تبارك الذي نزل الفرقان على عبده وغيرها من الآيات، وكان صلى الله عليه وسلم يحب التواضع ، في حديث عبد الله بن الشِّخِّير قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا له: أنت سيدنا، وابن سيدنا، فقال: السيد الله ! قلنا: وأفضلنا فضلا، وأعظمنا طولا، فقال: قولوا بقولكم، أو بعض قولكم! أنا محمد عبد الله ورسوله! ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله افتخر بأنه عبد، وتَمَيَّزَ بأنه رسول، فلا ينزل نفسه منزلة الملوك.
وكذلك لما جاء مرة ليجلس أرادوا أن يُصْلِحُوا له فراشا، فجلس على الأرض، وقال: إنما أنا عبد، آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد من باب التواضع، وكذلك لما جاءه أعرابي ليسلم، كأنه ارتعد ذلك الأعرابي، وظن أن النبي له مكانة، وله شهرة، فأجلسه إلى جنبه وقال: إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل الْقَدِيد يعني: اللحم الْمُيَبَّس، يعني: لستُ مَلِكًا.. لستُ مَلَكًا.. لستُ من غير البشر، بل أنا بَشَرٌ، أنا بَشَرٌ مثلكم، فاختار الله تعالى له التواضع والعبودية، ولم يَخْتَرْ له الملك.
في حديث الإسراء يقول: إن الله خَيَّرَنِي أن أكون مَلِكًا رسولًا، أو عَبْدًا رسولًا، يقول: فأشار إِلَيَّ جِبْرِيلُ بالتواضع، فقلت: عبدًا رسولًا من باب التواضع؛ فإن مَنْ تواضع لله رفعه ، ولو كان قد دانت له البلاد الإسلامية، ودانت له العرب لما أسلموا، وصار هو الذي يأمر فيهم، ولكنه ما نصب نفسه كما ينصب الملوك أنفسهم، فيتوسعون في الدنيا، بل كانت مساكنه مساكن لاطِئةً أي سقفها يناله إذا مد يده؛ مساكن من الطين، وكذلك أيضًا كسوته ولباسه ونحو ذلك، ولما خُيِّرَ عليه الصلاة والسلام بين أن تكون له بطحاء مكة ذهبًا اختار ألا تكون، واختار أن يجوع يومًا، ويشبع يوما، يقول: فإذا جعت تضرعت إليك، وذكرتكَ، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك.. فهكذا اختار الله تعالى له التذلل والعبودية، فلم يكن ملكا من الملوك، لا يطلب ملك آباء له، ولا يريد التملك بنفسه، ولا ينزل نفسه منزلة الملوك.

line-bottom