باب بدء الوحي من صحيح البخاري
صور من جوده صلى الله عليه وسلم
...............................................................................
الشاهد من الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يأتيه الملك في رمضان في كل ليلة وكان يدارسه القرآن، وكان في كل ليلة يستمع له، يقرأ ثلث القرآن أو ربعه أو عُشره أو نحو ذلك في كل ليلة، وهكذا في الليلة الأخرى، ثم اكتسب الجود والكرم من إتيان الملك له كل ليلة، وكذلك من قراءته لهذا القرآن، فكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل اسم> فيدارسه القرآن، فاتصف بهذا الجود.
الجود هو كثرة العطاء وكثرة الإنفاق وكثرة الصدقة، وهذه من صفته صلى الله عليه وسلم أنه لا يُسْأل شيئًا إلا أعطاه، وأنه يعطي عطاء تعجز عنه ملوك الدنيا، حتى قيل أنه أعطى رجلًا غنمًا بين جبلين؛ يعني غنمًا كثيرة، وذلك في بعض الغزوات التي غنموا فيها أغنامًا كثيرًا، وأن ذلك الرجل ذهب إلى قومه وقال: يا قوم أسلموا فإن محمدًا اسم> يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
ولما كان في قسمة غنائم حنين اسم> وقف لهم وصار يعطي هذا وهذا، فمن كثرتهم اضطروه وهو على بعيره إلى أن مر تحت شجرة فاختطفت الشجرة رداءه، فقال: رسم> ردوا علي ردائي، لو كان لي مثل هذه العضاة نعمًا لفرقتها بينكم، ثم لا تجدوني بخيلًا ولا جبانا متن_ح> رسم> فدل على أنه كان لا يدخر لنفسه شيئا، كان يعيش في أهله عيشة الفقراء؛ بحيث يمر عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيوته نار، وإنما يعيش هو وأهله على الأسودين التمر والماء، ومع ذلك يعطي هذا العطاء الكثير.
ولما انتشر الإسلام كان يرسل إلى البحرين اسم> وإلى قرى هجر اسم> الأحساء اسم> والقطيف اسم> والبحرين اسم> وتلك البلاد وكان أهلها مجوسًا، وكانوا قد التزموا بأداء الجزية، فيرسل إليهم من يأتيه بجزيتهم، فجاء أبو هريرة اسم> مرة ومعه تسعون ألف درهم، استغرب النبي صلى الله عليه وسلم هذا العدد، ولكن يقول لما أنه أصبح أمر بأن يبسط ثوب وأن يصب ذلك المال عليه، وكل من جاءه حفن له حفنات بغير عدد، وما قام من مجلسه حتى فرق ذلك المال كله، لم يدخر لنفسه منه شيئًا، مما يدل على أنه مما جبله الله تعالى على الكرم والجود.
وهذا الحديث أورده ابن رجب اسم> في لطائف المعارف وشرحه، واستدل به على فضل الجود في شهر رمضان، وكثرة الإنفاق سيما في شهر رمضان الذي ينشغل الناس فيه بالصيام عن التكسب فيحتاجون إلى الإنفاق عليهم والصدقة والصلة والتوسعة عليهم، وأورد أدلة في ذلك، وذكر أن صفته صلى الله عليه وسلم الكرم والجود، وأنه أكرم من غيره، وأورد أبياتًا في مدح رجل من العرب بالكرم والجود يقال له معن بن زائدة اسم> يقول فيه بعض الشعراء:
يــقولون معن لا زكاة لماله | وكيف يزكي المال من هو باذله |
تعود بسط الكف حتى لو انه | ثناها لقبض لم تجبه أناملـه |
تـراه إذا ما جئته متهـللا | كأنك تعطيه الذي أنت سائله |
هو البحر من أي النواحي أتيته | فلجته المعروف والجود ساحله |
ولو لم يكن في كفه غير روحه | لجاد بها فليتق الله سـائله |
في حديث أبي ذر اسم> يقول: رسم> كنت أسير مع النبي صلى الله عليه وسلم في آخر النهار، فقال يا أبا ذر اسم> هل ترى أُحدًا اسم> ؟ قلت: نعم. يقول: التفت إلى الشمس وظننت أنه يرسلني إليه. فقال: ما يسرني أن لي مثل أُحُد اسم> ذهبًا يأتي علي ثلاث ليال وعندي منه دينار واحد إلا دينارًا أرصده لدين؛ بل أقول به في عباد الله هكذا وهكذا متن_ح> رسم> ؛ يعني أفرقه فيهم، هذا من جوده صلى الله عليه وسلم.
فالشاهد من هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يتلقى الوحي؛ يتلقاه، وأن الملك ملك الوحي كان يعرض القرآن عليه، وكان يتجدد كل ما نزل قرآن جديد كان يثبته.
مسألة>