إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
باب بدء الوحي من صحيح البخاري
50440 مشاهدة
النية محلها القلب

...............................................................................


ثم معلوم أن النية محلها القلب؛ يعني الإنسان هو الذي يعلم ما في قلبه، ولا يجوز له أن يتلفظ بالنية، وإنما يكون قلبه عازمًا على فعل الشيء لله تعالى، وأما التلفظ بها فإنه بدعة لم ينقل عن السلف رحمهم الله.
يذكر عن الشافعي ما تشبث به بعض أتباعه أنه يستحب التلفظ بها، وهو ليس بصحيح؛ لأنه سئل مرة: بأي شيء تفتتح الصلاة؟ فقال: بفريضتين وسنة. الفريضتان: النية والتحريمة، والسنة رفع اليدين، فلما اشتهرت عنه هذه الكلمة ظن بعض الشافعية أنه يريد التلفظ؛ يعني كما أن التحريمة يتلفظ بها فكذا النية، فصاروا يكتبون في مؤلفاتهم صغيرها وكبيرها التلفظ بالنية سنة.
ولا دليل على ذلك على شرعية التلفظ بالنية، فالله تعالى أخبر وأعلم بما في القلوب، فلا حاجة إلى أن يتلفظ بها، يمكن تسمعون كثيرًا منهم إذا أراد أن يكبر للصلاة يقول مثلًا: نويت أن أصلي لله تعالى ولوجهه صلاة العصر أداء لا قضاء، أربع ركعات مستقبل القبلة، إمامًا أو مأمومًا، متطهرًا ونحو هذه الكلمات.
الله تعالى أعلم بما في قلبك أتخبر الله بما في قلبك؟! فهذا لا دليل عليه، وكذلك أيضًا إذا أراد أن يتوضأ يتلفظ فيقول: نويت أن أرفع الحدث الأصغر أو الحدث الأكبر، وأغسل أعضائي لأداء صلاة كذا، أو ما أشبه ذلك، فيكون بذلك قد تلفظ بما في قلبه، وأخبر الله والله أعلم بما في قلبه.
ثم إن الشافعية قالوا: لو أخطأ فإن العمل على ما في القلب. لو مثلًا قال: نويت أن أصلي الظهر وهو يريد العصر أداء لا قضاء، أخطأ في كلمة الظهر فإن العبرة بما في قلبه لا بما أخطأ به لسانه، فهذا دليل على أن الأعمال إنما تعتبر بالنية التي في القلوب لا التي يتكلم بها، فلا حاجة إلى التلفظ بهذه النية، الله تعالى هو الذي يعلم الضمائر؛ فالإنسان عليه أن يصلح نيته ولا يضره تكلم أو لم يتكلم.