إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
باب بدء الوحي من صحيح البخاري
64795 مشاهدة
سؤال هرقل عن ملك آباء النبي صلى الله عليه وسلم وأجداده

...............................................................................


السؤال الثاني: سأله: هل كان من آبائه من ملك؟ يعني: هل أحد من آبائه وأجداده قد كان مَلِكًا مُطَاعًا في العرب، مُلْكُهُ مشتهر ومنتشر، فاعترف أبو سفيان وقال: لا، ليس له أب قد صار ملكا، يقول هرقل: لو كان من آبائه من ملك لَقُلْتُ: رجل يطلب مُلْكَ أبيه.. وهذا حَقٌّ بمعنى أن الذي يسلب ملك أبيه أو جَدِّهِ يحرص على أن يستعيد ويسترد ملك آبائه وأجداده كما هو الحاصل.
يعني: كانوا قديمًا يأخذون الملك بالوراثة، يأخذونه بالوراثة، فمن كان آباؤه ملوكًا كان يطالب بملك آبائه وأجداده، ولما لم يكن أحد من أجداد النبي صلى الله عليه وسلم قد صار مَلِكًا للعرب في أول الأمر، لم يكن هذا دافعًا له إلى أن يطلب الترأس، وإلى أن يطلب الملك، وإلى أن يطلب الشرف، فليس هو مثل الملوك، ولا يريد ملك الملوك، بل إنه صلى الله عليه وسلم كان يحب التواضع، ويحب تصغير نفسه، والتذلل لله تعالى.
ولهذا وصفه الله تعالى بالعبودية، وصفه بها في أشرف الصفات، وفي أشرف الأماكن، فقال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا وصفه بأنه عبد، ليس بملك، وكذلك في قوله: سبحان الذي أسرى بعبده وقوله الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا وكذلك تبارك الذي نزل الفرقان على عبده وغيرها من الآيات، وكان صلى الله عليه وسلم يحب التواضع ، في حديث عبد الله بن الشِّخِّير قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا له: أنت سيدنا، وابن سيدنا، فقال: السيد الله ! قلنا: وأفضلنا فضلا، وأعظمنا طولا، فقال: قولوا بقولكم، أو بعض قولكم! أنا محمد عبد الله ورسوله! ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله افتخر بأنه عبد، وتَمَيَّزَ بأنه رسول، فلا ينزل نفسه منزلة الملوك.
وكذلك لما جاء مرة ليجلس أرادوا أن يُصْلِحُوا له فراشا، فجلس على الأرض، وقال: إنما أنا عبد، آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد من باب التواضع، وكذلك لما جاءه أعرابي ليسلم، كأنه ارتعد ذلك الأعرابي، وظن أن النبي له مكانة، وله شهرة، فأجلسه إلى جنبه وقال: إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل الْقَدِيد يعني: اللحم الْمُيَبَّس، يعني: لستُ مَلِكًا.. لستُ مَلَكًا.. لستُ من غير البشر، بل أنا بَشَرٌ، أنا بَشَرٌ مثلكم، فاختار الله تعالى له التواضع والعبودية، ولم يَخْتَرْ له الملك.
في حديث الإسراء يقول: إن الله خَيَّرَنِي أن أكون مَلِكًا رسولًا، أو عَبْدًا رسولًا، يقول: فأشار إِلَيَّ جِبْرِيلُ بالتواضع، فقلت: عبدًا رسولًا من باب التواضع؛ فإن مَنْ تواضع لله رفعه ، ولو كان قد دانت له البلاد الإسلامية، ودانت له العرب لما أسلموا، وصار هو الذي يأمر فيهم، ولكنه ما نصب نفسه كما ينصب الملوك أنفسهم، فيتوسعون في الدنيا، بل كانت مساكنه مساكن لاطِئةً أي سقفها يناله إذا مد يده؛ مساكن من الطين، وكذلك أيضًا كسوته ولباسه ونحو ذلك، ولما خُيِّرَ عليه الصلاة والسلام بين أن تكون له بطحاء مكة ذهبًا اختار ألا تكون، واختار أن يجوع يومًا، ويشبع يوما، يقول: فإذا جعت تضرعت إليك، وذكرتكَ، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك.. فهكذا اختار الله تعالى له التذلل والعبودية، فلم يكن ملكا من الملوك، لا يطلب ملك آباء له، ولا يريد التملك بنفسه، ولا ينزل نفسه منزلة الملوك.