باب بدء الوحي من صحيح البخاري
سؤال هرقل عن ملك آباء النبي صلى الله عليه وسلم وأجداده
...............................................................................
السؤال الثاني: سأله: هل كان من آبائه من ملك؟ يعني: هل أحد من آبائه وأجداده قد كان مَلِكًا مُطَاعًا في العرب، مُلْكُهُ مشتهر ومنتشر، فاعترف أبو سفيان اسم> وقال: لا، ليس له أب قد صار ملكا، يقول هرقل: اسم> لو كان من آبائه من ملك لَقُلْتُ: رجل يطلب مُلْكَ أبيه.. وهذا حَقٌّ بمعنى أن الذي يسلب ملك أبيه أو جَدِّهِ يحرص على أن يستعيد ويسترد ملك آبائه وأجداده كما هو الحاصل.
يعني: كانوا قديمًا يأخذون الملك بالوراثة، يأخذونه بالوراثة، فمن كان آباؤه ملوكًا كان يطالب بملك آبائه وأجداده، ولما لم يكن أحد من أجداد النبي صلى الله عليه وسلم قد صار مَلِكًا للعرب في أول الأمر، لم يكن هذا دافعًا له إلى أن يطلب الترأس، وإلى أن يطلب الملك، وإلى أن يطلب الشرف، فليس هو مثل الملوك، ولا يريد ملك الملوك، بل إنه صلى الله عليه وسلم كان يحب التواضع، ويحب تصغير نفسه، والتذلل لله تعالى.
ولهذا وصفه الله تعالى بالعبودية، وصفه بها في أشرف الصفات، وفي أشرف الأماكن، فقال تعالى: رسم> وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا قرآن> رسم> وصفه بأنه عبد، ليس بملك، وكذلك في قوله: رسم> سبحان الذي أسرى بعبده قرآن> رسم> وقوله رسم> الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قرآن> رسم> وكذلك رسم> تبارك الذي نزل الفرقان على عبده قرآن> رسم> وغيرها من الآيات، وكان صلى الله عليه وسلم يحب التواضع ، في حديث عبد الله بن الشِّخِّير اسم> رسم> قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا له: أنت سيدنا، وابن سيدنا، فقال: السيد الله ! قلنا: وأفضلنا فضلا، وأعظمنا طولا، فقال: قولوا بقولكم، أو بعض قولكم! أنا محمد اسم> عبد الله ورسوله! ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله متن_ح> رسم> افتخر بأنه عبد، وتَمَيَّزَ بأنه رسول، فلا ينزل نفسه منزلة الملوك.
وكذلك لما جاء مرة ليجلس أرادوا أن يُصْلِحُوا له فراشا، فجلس على الأرض، وقال: رسم> إنما أنا عبد، آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد رسم> من باب التواضع، وكذلك لما جاءه أعرابي ليسلم، كأنه ارتعد ذلك الأعرابي، وظن أن النبي له مكانة، وله شهرة، فأجلسه إلى جنبه وقال: رسم> إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل الْقَدِيد متن_ح> رسم> يعني: اللحم الْمُيَبَّس، يعني: لستُ مَلِكًا.. لستُ مَلَكًا.. لستُ من غير البشر، بل أنا بَشَرٌ، أنا بَشَرٌ مثلكم، فاختار الله تعالى له التواضع والعبودية، ولم يَخْتَرْ له الملك.
في حديث الإسراء يقول: رسم> إن الله خَيَّرَنِي أن أكون مَلِكًا رسولًا، أو عَبْدًا رسولًا، يقول: فأشار إِلَيَّ جِبْرِيلُ اسم> بالتواضع، فقلت: عبدًا رسولًا رسم> من باب التواضع؛ فإن مَنْ تواضع لله رفعه ، ولو كان قد دانت له البلاد الإسلامية، ودانت له العرب لما أسلموا، وصار هو الذي يأمر فيهم، ولكنه ما نصب نفسه كما ينصب الملوك أنفسهم، فيتوسعون في الدنيا، بل كانت مساكنه مساكن لاطِئةً أي سقفها يناله إذا مد يده؛ مساكن من الطين، وكذلك أيضًا كسوته ولباسه ونحو ذلك، ولما خُيِّرَ عليه الصلاة والسلام بين أن تكون له بطحاء مكة اسم> ذهبًا اختار ألا تكون، واختار أن يجوع يومًا، ويشبع يوما، يقول: فإذا جعت تضرعت إليك، وذكرتكَ، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك.. فهكذا اختار الله تعالى له التذلل والعبودية، فلم يكن ملكا من الملوك، لا يطلب ملك آباء له، ولا يريد التملك بنفسه، ولا ينزل نفسه منزلة الملوك.
مسألة>