إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
باب بدء الوحي من صحيح البخاري
60797 مشاهدة
جدل بين هرقل وقومه

...............................................................................


عند ذلك يقول أبو سفيان ارتفع صوت هرقل وأخذ يجادل ويتجادل مع البطارقة الذين حوله، وارتفعت أصواتهم، يقول: فَأُخْرِجْنَا.. أخرجونا.
فلما خرج يقول: قلت: لقد أَمِرَ أَمْر ابن أبي كبشة.. لقب كانوا يلقبون به النبي صلى الله عليه وسلم، يَتَنَقَّصُون به، لقد أَمِرَ أمره، يعني: ارتفع شأنه، وظهر أمره، حيث يخافه مَلِكُ بني الأصفر، أي: ملك الروم.. كيف أنه يخافه؟ يقول أبو سفيان فما زِلْتُ مُوقِنًا أنه سيُظْهِرُ أمره حتى أدخل الله عَلَيَّ الإسلام؛ يعني حتى أسلم أبو سفيان كان إسلامه في سنة الفتح، لما أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل إلى مكة ومعه الجيوش الذين غزا بهم مكة خرج العباس يتلقى بعضهم، فعرف صوت أبي سفيان فجاء به، وأركبه على فرسه، وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ورَغَّبَهُ في الإسلام، ومازال به إلى أن أسلم، ودخل هو وأهله في الإسلام، وكذلك بَقِيَ أهل مكة مَنْ بقي منهم، فقوتلوا في ذلك اليوم، ثم بعد ذلك أسلموا.. هذا ما كان من أبي سفيان
وأما ما كان من هرقل فَذُكِرَ من شأنه أنه أصبح مرة في قومه مغمومًا عليه آثار الحزن، وعليه آثار التأثر والهم، فسأله بطارقته الذين هم وزراؤه، ومَنْ حوله، وذكروا أنه كان حَزَّاءً؛ يعني مُنَجِّمًا، يَدَّعِي معرفة النجوم، ويَدَّعِي معرفة الأمور المغيبة، فقال: إني نظرت في النجوم، فرأيتُ أن مُلْكَ الختان قد ظهر؛ يعني أَنَّ مَلِكًا قد ظهر، وأنه مَلِكُ الختان، فبطارقته هَوَّنوا أمره، وقالوا: لا يُهِمَّك ذلك، ولا تَحْزَنْ، ولا تَخَفْ على ملكك، وذكروا أنه ما كان أحد يَخْتَتِنُ إلا اليهود؛ لِأَنَّ النصارى ما كانوا يختتنون، وإلى اليوم، فقالوا: لا يهمك أمر اليهود، وابْعَثْ إلى رؤساء البلاد التي تَحْتَك، يُؤْمَرُ بمن فيها من اليهود فيُقْتَلُون، طمأنوه بذلك.
يقول: ثم جاءهم رجل من العرب، وأخبرهم بظهور هذا النبي، الذي هو النبي صلى الله عليه وسلم، فَأُحْضِرَ إلى هرقل فقال: اذهبوا، فانظروا: هل هو مُخْتَتِنٌ؟ فقالوا: نعم هو مُخْتَتِنٌ، وأخبره بأن العرب كلهم يختتنون، وأن هذا من مِلَّةِ إبراهيم عليه السلام، فالحاصل أنه لما أخبره بظهور النبي محمد صلى الله عليه وسلم أراد أن يستدعي قومه، وأن يستدعي بطارقته ورُؤَسَاءَهُ إلى أن يُسْلِمُوا، فدعاهم وقال لهم: هل لكم في بقاء مُلْكِكُم؟ وهل لكم في بقاء شَرَفِكُم ودولتكم وبلادكم؟ فتتبعون هذا الرجل الذي يَدَّعِي أنه نبي، فلما قال لهم هذه المقالة نفروا من كلمته نفرة حُمُر الوحش، وكان قد أُغْلِقَ الأبواب، فذهبوا وإذا الأبواب قد غلقت، فقال: رُدُّوهم، فلما رجعوا قال.