إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
باب بدء الوحي من صحيح البخاري
60798 مشاهدة
موقف السيدة خديجة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول الوحي عليه

...............................................................................


لما قرأ عليه هذه الآيات نزل وجاء إلى امرأته خديجة بنت خويلد بن أسد ثم جاء إليها وهو خائف، يرجف فؤاده من الخوف، فقال: زملوني. فزملوه يعني غطوه بأكسية حتى ذهب عنه روعه وخوفه، وبعد ذلك وبعدما ذهب عنه أخبر خديجة بما رأى، أنه جاءني رجل أو في صورة رجل، وأنه حصل منه أنه غطني ثلاث مرات وأمرني بالقراءة وقلت لا أقرأ، وأنه بعد ذلك قال لي اقرأ إلى آخره. فَعَرَفَتْ أن هذا إما أنه من الجان أو من الملائكة؛ ولكن جزمت بأنه من الملائكة؛ وذلك لما اتصف به صلى الله عليه وسلم من الصفات الحميدة، وجزمت بأن الله تعالى لا يخزيه ولا يضره ولا يسلط عليه شيطانًا ولا يسلط عليه جنًا ماردًا لما اتصف به.
ذكرت له خمس صفات؛ الصفة الأولى: (إنك لتصل الرحم) الرحم القرابة؛ بمعنى أنك من الذين يصلون أقاربه، وصلة الرحم قربة وعبادة وفضيلة يمدح بها في الجاهلية وفي الإسلام، صلة الرحم يعني إعطاء ذوي القرابة حقوقهم، كما قال تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ هذه الخصلة الأولى.
الخصلة الثانية قولها: (وتحمل الكل) الكل يعني الأشياء الثقيلة التي تكون على القبيلة؛ يعني غرامة أو دية أو دين أو نحو ذلك، يكون هو ممن يتحملها، إذا حصل عليهم شيء يثقل كواهلهم ويعجزون عن أن يقوم به واحد فإنه يحمله، إما أن ينفرد بحمله وأدائه، وإما أنه يشارك فيه.
الصفة الثالثة قولها: (وتكسب المعدوم) أو (المعدم) يعني الفقير والعاجز، في بعض الروايات: (تُكَسِّب المعدوم) أي تعطيه وتواسيه وتزيل عنه الشدة التي هو كان فيها، وهذه من الخصال الحميدة، كون الإنسان إذا رأى الفقير والعاجز ونحوه فإنه يعطيه مما أعطاه الله تعالى ويهون عليه، لا شك أن ذلك أيضًا من الفضل ومن العطاء المفيد، ومن كسب القلوب ومن الرقة على العباد، فهذه من الخصال الحميدة (إنك لتصل الرحم)
الصفة الرابعة قولها: (وتقرئ الضيف) المسافر الذي ينزل في البلد ولا يكون له أهل فإن إكرامه وإقراءه من الفضائل، قال صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ؛ تقرئه يعني تقيته، تعطيه قوته وقت نزوله، وجاء في فضل إقراء الضيف عند العرب جاء مفاخرة وكذلك مسابقة، أنهم يتسابقون إلى إكرام الضيف.
الصفة الخامسة قولها: (وتعين على نوائب الحق) إذا نابت على القوم نائبة فإنه يكون من المسارعين لسد تلك النائبة، النوائب هي التحملات ونحوها. فهذه الصفات جزمت خديجة بأن الله لا يخزي نبيه إذا كان فيه هذه الصفات، (إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف) يعني تكرمه (وتحمل الكل) يعني الثقل وما أشبهه (وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق).