إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. logo اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
shape
باب بدء الوحي من صحيح البخاري
75625 مشاهدة print word pdf
line-top
اختلاف مصاحف الصحابة في ترتيب سور القرآن

...............................................................................


ذكروا أنه كلما نزلت آيات يقول: ضعوا هذه الآيات في موضع كذا وكذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا فيرتب القرآن، فترتيب الآيات بالنص، وأما السور فذكروا أن ترتيبها بالاجتهاد؛ ولهذا قالوا: اختلفت مصاحف الصحابة في ترتيب السور ، قدم بعضهم سورة النساء على سورة آل عمران، وقدم بعضهم سورة الأعراف على سورة الأنعام، وبعضهم قدم سورة التوبة على سورة الأنفال؛ ولكن ترتيب السور أن السورة تبدأ بكذا وتختم بكذا هذا منصوص عليه يعني: توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولأجل ذلك كان يقرأ القرآن في الصلاة ويتابعونه، فكان في الصلاة ربما قرأ خمس صفحات أو عشر صفحات في الصلاة الواحدة، مما يدل على أن السور مرتبة على وضعها هكذا، التي أولها مثلًا ( الر ) تفتتح بكذا بـ ( الر ) وتختم بما هو مختومة به في هذه المصاحف، كل سورة فإن هذا ترتيبها.
فالصحابة لما كتبوا المصاحف أحبوا أن تتوالى السور ولو كان بعضها أطول من بعض إذا كان افتتاحها سواء، فجعلوا السور التي أولها ( الر ) متتابعة ولو كان بعضها قصيرًا أقصر من السور التي بعده، فإن سورة الرعد وسورة إبراهيم وسورة الحجر مفتتحة بـ ( الر ) أو ( المر ) قدمت على سورة النحل وهي أطول منها، وكذلك سورة الإسراء وسورة الكهف هن أطول من هذه السور؛ ولكن أرادوا بذلك أن تتوالى هذه السور.
وكذلك سور ( الم ) إلا أنهم قدموا البقرة وآل عمران وذلك لطولها، فبقية ( الم ) أربع أخروها وجعلوها في مكان مناسب وجعلوها متوالية، العنكبوت إلى السجدة، وكذلك سور ( طس ) أو ( طسم ) جعلوها متوالية، وسور آل ( حم ) جعلوها أيضًا متوالية؛ سبع سور، فهذا اجتهاد منهم، وأما نفس السورة آياتها مثلًا آيات البقرة مائتان وست وثمانون كلها ترتيبها كان على العهد النبوي، ترتيب الآيات.
وبكل حال نعرف أن الله سبحانه وتعالى حفظ هذا الوحي، وأنه بينه للنبي صلى الله عليه وسلم لقوله: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ تكفل الله تعالى ببيانه، والنبي صلى الله عليه وسلم أيضًا بينه لأصحابه امتثالًا لأمر الله حيث قال له: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وأخبر عبد الله بن حبيب السلمي قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن -عد منهم علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت - أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا. مما يدل على أن الله تعالى بين له ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ وأنه هو أيضًا بين لأصحابه وفسر لهم ما أشكل عليهم، فأصبح القرآن والحمد لله محفوظا، وأصبح الوحي الذي هو السنة أيضًا محفوظة في كتب أهل العلم، فلم يبق لأحد مطعن في هذه الشريعة والحمد لله.

line-bottom