اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
محاضرات في شرح نواقض الإسلام وكتاب الجنائز من صحيح البخاري
25504 مشاهدة
الناقض العاشر: الإعراض عن دين الإسلام لا يتعلمه ولا يعمل به

من النواقض أيضا، الناقض العاشر: الإعراض عن دين الإسلام لا يتعلمه ولا يعمل به ، الإعراض عنه وذلك لأن الإسلام يتكون من علوم ومن أعمال ، وهذه الأعمال لابد أن يسبقها علوم فلا يمكن أن يعمل إلا بعلم ولا يقبل عمله وهو باق على جهله، معرض عن الله تعالى وعن ديانته باق على جهله، معلوم أن الإنسان يولد جاهلا وإذا ولد وهو جاهل فلابد أنه يتلقى بما أعطاه الله تعالى من العلوم ما يتعلمه وما يدين به، يتعلم ما يكون به علمه أو عمله مقبولا صحيحا.
فإذا قال إنسان: أنا مسلم أدين بالإسلام؛ ولكن لا أدري ما كيفية الأعمال التي فرضها الإسلام فأنا معذور إذا بقيت على جهالتي. هل يكون معذورا أن يبقى جاهلا طوال حياته يتخبط في الأعمال وهو قادر على أن يتعلم؟ لا يكون معذورا بل عليه أن يتعلم كيف العمل حتى يقبل منه العمل.
فإذا قيل له إن عليك أداء هذه الصلاة، فلابد أن يتعلم شروط الصلاة، أو كيفيتها وما يسبقها من الطهارة وما يكون فيها من الأعمال والأفعال، فلا يكفي أن يقول أنا أصلي كيف شئت ولا حاجة إلى أن أتعلم، لا حاجة أن أتعلم الفاتحة ولا أركان الصلاة ولا التشهد فيها ولا صفتها ولا عدد ركعاتها ولا عدد الصلوات أدين بهذه الصلاة وأصليها كيف شئت لا تقبل منه، بل لابد أن يتعلم ما أمر به.
وكذلك بقية شعائر الإسلام، على المسلم أن يتعلم إذا وجد من يعلمه، فيتعلم من كتاب الله تعالى، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويتعلم بواسطة المعلمين الذين عندهم علم ولو كانوا مبتدعين، ولو لم يكونوا علماء ربانيين يتعلم منهم ما عندهم؛ حتى يعمل على بصيرة ويقبل عمله .
فقد ذكر العلماء أن العبادة لا تقبل إلا بشرطين: الإخلاص والمتابعة ، ما روي عن الفضيل بن عياض فسر قول الله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً فقال: أخلصه وأصوبه، فقيل: فسره لنا يا أبا علي قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا، والخالص ما كان لله والصواب ما كان على السنة. أي: ما وافق السنة وما وافق الشريعة فإنه هو المقبول، فإذا تخبط في العمل فإنه يفسد أكثر مما يصلح.
لذلك يؤمر العالم بأن يعلم، ويؤمر الجاهل بأن يتعلم ولا يبقى على جهله، في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال فمن لا يعلم عليه أن يسأل حتى يتعلم وحتى يعرف، ومن وجد من يسأله واستحيا من السؤال وقال: كيف اسأله وهو أصغر مني؟! أو كيف أسأله وأنا نشأت في بلاد إسلامية؟! لا أتصاغر أن أصغر نفسي إلى هذا الحد، قيل إن هذا هو الجهل الذي يبقى على جهله ويتخبط في العمل هو لا يقبل عمله:
فللعمل الإخلاص شرط إذا أتى
وقد وافقتـه سنة وكتـاب
فهذا دليل على أن العالم عليه أن يعلم، وأن الجاهل عليه أن يتعلم، وأن الجاهل إذا سكت وبقي على جهله فإنه لا يقبل عمله .
بل إذا تمكن من التعلم وأعرض عن ذلك وقال إنني معذور إذا عملت على جهل أو لم أعمل بسبب أنني جاهل وعذري الجهل، هل هذا عذر، لا يعذر بذلك إذا وجد من يتعلم منه.
إذا قيل إن هناك أناس كثير في أطراف الأرض لم يصلهم العلم ولا جاءهم من يدعوهم نشَئُوا في أطراف الأرض لا يعرفون اللغة، ولا يسمعون كلام يعرفون به الإسلام فيبقون بدون علم وبدون معرفة للدين لم يسمعوا أن هناك دين الإسلام أو نحو ذلك، فمثل هؤلاء إن وصلهم خبر أن هناك دين الإسلام فلا يسعهم الجهل والبقاء على الجهل بل عليهم أن يبحثوا عن الإسلام وأن يتعلموا دين الإسلام، أما إذا ما وصل إليهم خبر فقيل أنهم يعذبون بسبب ما أعطاهم الله تعالى من العقول الذكية حيث تمكنوا من العقل ومع ذلك لم يعملوا به فيكونوا بذلك ملومين، والصواب أن من لم تبلغهم الرسالة وظلوا على غير دين أنهم يمتحنون في الدار الآخرة .
وقد ذكر ابن كثير أحاديث كثيرة عند تفسير قول الله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ومفادها أن من لم تبلغهم الرسالة وماتوا وهم على جهل أنهم يمتحنون في الآخرة، فإذا أطاعوا الله في الآخرة نجاهم وإذا عصوه عذبهم، وذلك بأن يخرج نار ويقال أدخلوها فمن دخلها فهو مطيع لله وتكون عليه بردا وسلاما، ومن امتنع من دخولها أدخل النار.
وأما الذين سمعوا الرسالة كما في هذه الأزمنة بواسطة الإذاعات وبواسطة الدعاة في كل الجهات، ومع ذلك بقوا على جهلهم وأعرضوا عن التعلم أو لم يهتموا بذلك أو تعلموا علوما مخالفة للشريعة أو اختاروا ديانة غير دين الإسلام فإن هؤلاء يدخلون في هذا الوعيد من أعرض عن دين الله تعالى ولم يتعلمه، وتنطبق عليهم هذه الآية في سورة السجدة وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ذكر بآيات ربه ومع ذلك أعرض ولم يتقبل فإنه والحال هذه يكون مجرما إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ هذه مع الاختصار نواقض الإسلام، قد ذكرنا أن نواقض الإسلام كثيرة لكن هذه مجملها.
فيقول الشيخ رحمه الله: لا فرق فيها بين الهازل والجاد، الهزل هو: التهكم والسخرية، والجاد: هو من يقول ذلك عن صدق وعن اعتقاد، وكذلك الخائف إذا قد يعذر المكره لقوله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ فيدخل في ذلك إذا قام بشيء من احترام المشركين ليسلم من أذاهم وشرهم وقلبه مطمئن بالإيمان.
أسئـلة
س: ويقول هذا السائل: بعض الشباب إذا لعبوا أو قاموا بأعمال رياضية يقولون: انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا هل هذا من الاستهزاء بدين الإسلام؟
نعم لا ينبغي استعمال هذه الآية، وذلك لأن الآية وردت في جهاد انفروا يعني إلى الجهاد في سبيل الله.
نكتفي بهذا، والله أعلم، وصلى الله على محمد .