جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
محاضرات في شرح نواقض الإسلام وكتاب الجنائز من صحيح البخاري
29375 مشاهدة
من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، وأن حكم غير الله تعالى أحسن من حكمه

أما الناقض الرابع: وهو (من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، وأن حكم غير الله تعالى أحسن من حكمه) فيعتبر قد كفر؛ وذلك لأن ربنا سبحانه هو أحكم الحاكمين أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ .
الحكم هو إحكام الأوامر التي أمر بها، ما أمر بشيء إلا وهو محكم غاية الإحكام، أوامر الله وشرائعه كلها في غاية الحكمة وفي غاية المناسبة، فإذا أبغض شيئا؛ فإذا اعتقد أن هدي غير الرسول أكمل من هديه فقد كفر، إذا اعتقد أن حكم غير الله أحسن من حكمه فقد كفر، لذلك قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ أي: لا أحد أحسن حكما من الله؛ بل أحكام المخلوقين التي تخالف حكم الله تعالى مردودة عليهم، وهي متهافتة ومتناقضة وباطلة، وليس فيها ما في حكم الله تعالى من الإحكام ومن الإتقان.
وكذلك ما في هدي النبي صلى الله عليه وسلم، هديه صلى الله عليه وسلم هو سنته وسيرته التي سار عليها إلى أن قبضه الله تعالى بعد ما نزل عليه الوحي.
وقد ذكر العلماء ما يتعلق بهديه في الأمور العادية وفي الأمور العبادية، فذكر مثلا ابن القيم كتاب الهدي (زاد المعاد في هدي خير العباد) فذكر: هديه صلى الله عليه وسلم في الطهارة، وهديه في الصلاة، وهديه في الجماعة، وهديه في الجمع، وهديه في الجنائز، وهديه في الزكوات والصدقات، وهديه في الصوم، وهديه في الاعتكاف، وغير ذلك من هديه، وكذلك هديه في المعاملات في المبايعات والإجارات وما أشبهها، وكذلك هديه في الأنكحة في النكاح والطلاق والعدد والخلع والظهار والإيلاء وما أشبهها، وكذلك هديه صلى الله عليه وسلم في النفقات والحضانة وما إلى ذلك، المراد هديه الذي جاء به، والذي يتضمن شريعته.
فمن اعتقد أن هدي غير الرسول أكمل من هديه فقد كفر، أو مثلا من انتقد شيئا من الهدي الذي جاء به ولو عمل به، فمن استنكر مثلا الطهارة وقال: لا حاجة إليها، أو استنكر التيمم وقال: لا فائدة فيه، أو جعل غيره أحسن منه مثلا، أو انتقد الصلاة أو صلاة الجماعة، وزعم أن غيرها أفضل منها، أو صلاة الجمعة والعيد وزعم أن غيره أحسن منه وأفضل، أو ما أشبه ذلك؛ فقد اعترض على الله، واعترض على رسوله صلى الله عليه وسلم، وانتقد شريعته التي جاء بها، واعتقد أن غيرها أحسن منها.
ويقال كذلك في الأحكام، الأحكام التي هي حكم الله تعالى، والذي هو غاية العدل، فمن تحاكم إلى الطواغيت فقد فضل حكمهم على حكم الله، ومن تحاكم إلى القوانين الوضعية فقد انتقد حكم الله وادعى أنه غير صالح، ومن ادعى أن أحكام الله التي حكم بها والتي أمر بها أنها مؤقتة وأن لها زمان تنتهي إليه؛ فقد اعترض على حكم الله تعالى، وادعى أنه ليس صالحا لكل زمان ومكان؛ مع أن الله تعالى أنزل هذه الشريعة كاملة، أكملها لهذه الأمة بقوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ .
ولا شك أنه ما دام الدين كاملا؛ فليس فيه نقص، وليس فيه حاجة إلى إضافات، فلسنا بحاجة إلى إضافات اليهود، ولا النصارى، ولا المشركين، ولا القبوريين، ولا إلى معبوداتهم، ولا قوانينهم التي يدعون أنها تناسب المكان، أو تناسب المقام، وأنها تليق بهذا الزمان، والذين يدعون أن هذا الزمان قد تغير فلا يصلح أن تحكم فيه تلك الكتب القديمة، ولا أن يُتراجع إلى القرآن القديم، في وقت التجدد وفي وقت الرقي -كما يعبرون- فالحاصل أن مثل هؤلاء يعتبرون قد نقضوا دينهم، انتقض دينهم، حيث أنهم فضلوا حكم غير الله على حكمه، وفضلوا شرع غير الله على شرعه، وهدي غير النبي صلى الله عليه وسلم على هديه، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ .