تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
129074 مشاهدة
آيات تدل على عظمة الله

قد ذكرنا أننا سوف نواصل القراءة في كتاب العظمة لأبي الشيخ الأصفهاني وذكر أنه تحت الطبع وأنه قريبا سيخرج إن شاء الله. هذا الكتاب يتعلق بالأدلة على عظمة الله وجلاله وكبريائه وصفاته التي إذا تفكر فيها العبد عرف أنه سبحانه هو المستحق للعبادة، ومعلوم أيضا أنها أو أكثرها مأخوذ أو موجود في كلام الله سبحانه وتعالى مثل قوله تعالى: الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ لما فسرها ابن كثير قال: الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة.
وكذلك أيضا الآيات التي تدل على عظمة الله وعلى جلاله مثل ما ختم به الشيخ محمد بن عبد الوهاب كتاب التوحيد ختمه بباب قول الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ثم ذكر تحت هذه الآية أحاديث تدل على عظمة الله وتدل على صغر المخلوقات أمام عظمته، ويعرف منها المسلم أن الذي هذه عظمته أهل أن يعبد ويعظم، وأنه على كل شيء قدير، وأنه لا يليق به أن يترك خلقه هملا لا ثواب ولا عقاب لا أمر ولا نهي، وأن الذين يظنون هذا الظن لم يكن عندهم فكر ولا عقل؛ ولأجل ذلك يكثر توبيخهم على هذا الظن مثل قوله تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ومثل قوله تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ونحو ذلك من الآيات.
أي يتحقق أن هذا الكون لا بد أن يكون له من يدبره، وأن هذا الخلق الذي خلقوا، وأعطوا من هذه الحياة ما يتمتعون به لا بد أنهم مأمورون ومنهيون ومكلفون حتى يستعدوا لما أمروا به، ويفكروا فيما خلقوا له ولا ينخدعوا بكثرة المنخدعين وبكثرة المنحرفين الضالين، فإن أولئك الذين جعلوا عقولهم منصرفة إلى شهواتهم أو إلى دنياهم الدنية، وصار فيها تفكيرهم وصارت فيها أعمالهم لها يعملون، ولها يفكرون ولها يكدحون ويصنعون؛ إنهم لم ينتفعوا بعقولهم التي أعطاهم الله، بل سلبها خير لهم. المسلوب عقله الذي ليس له عقل لا حساب عليه، وأما هؤلاء فإنهم يعذبون حيث إنهم لم ينتفعوا بما أعطاهم الله تعالى من هذا التفكير، ومن هذه الأبصار والأسماع والعقول ونحوها، والأدلة على ذلك كثيرة، ونحب أن نبدأ القراءة في هذا الكتاب ثم نواصل ذلك إن شاء الله.