قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
128901 مشاهدة
النظر في الآيات الكونية يزيد الإيمان

...............................................................................


السلام عليكم ورحمة الله.
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قرأنا في الدرس الماضي أحاديث وآثارا تحث على التفكر في آيات الله وفي مخلوقاته سبحانه مثل حديث: تفكروا في المخلوق ولا تفكروا في الخالق ومثل الآيات التي فيها الأمر بالتفكر، وهي كثيرة مثل قوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ومثل قوله تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا ومثل قوله: أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وقوله: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ونحو ذلك من الأدلة الكثيرة، وذلك لأن النظر في هذه الآيات الكونية يعطي العاقل معرفة وإيمانا قويا بعظمة الخالق سبحانه وبأهليته لأنْ يُعبد وحده.
فإنه إذا نظر في هذا الكون وما فيه من العجائب عرف أن الذي كونه، والذي أوجده على كل شيء قدير، وأنه خالق كل شيء، وأن الذين عبدوا غير الله ما قدروه حق قدره ، ولا عظموه حق تعظيمه حيث رفعوا بعض المخلوقات إلى درجة الخالق، وصرفوا لها خالص حق الله تعالى، وجعلوا لها شيئا من التصرف والملك الذي هو حق الله تعالى وملكه، وكان الكثير من السلف يحثون الإنسان على أن ينظر في هذا الكون وفي آيات الله تعالى، ويتأمل ما فيها من العبر.
نذكر مثلا قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فإنه ذكر ست آيات عظيمة إذا تأمل الإنسان فيها أو في بعضها عرف قدرة من أنشأها؛ ولهذا لما تكلم عليها ابن كثير رحمه الله قال بعد ذلك: الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة وأنشد قول ابن المعتز:
فيا عجبـا كيف يعصـى الإلـه
أم كــيف يجحـده الجـاحد
وفـي كـل شـيء لـه آيـة
تـدل علــى أنــه واحـد
وللــه فــي كـل تحريكـة
وتســكينة أبــدا شــاهد
في كل شيء آية؛ ولهذا إذا طلب المشركون آية نبههم الله تعالى إلى عدة آيات مثل قوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ أي: من العلامات التي نصبها لعباده ليستدلوا بها على قدرته، وكذلك قوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ أي: تبشر بالخير وتبشر بالمطر والرزق، وإلى آخر الآية، وكذلك قوله: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إلى آخر الآيات التي يذكر الله أن هذه من آياته، فتأملوا فيها وتفكروا فيها؛ لتأخذوا منها عبرة وموعظة عظيمة. فإن من تأملها تعجب كيف أن الذي صنعها أحكمها وأتقنها وأعطاها كل ما تحتاج إليه الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى .
فإذا تأمل الإنسان نفسه خلق الإنسان عرف أنه ليس فيه شيء من أعضائه يقال: إنه عبث؛ بل كل ما فيه من الأعضاء والحواس، فإن له منفعة وله وظيفة لا يقوم بها غيره؛ ولأجل ذلك أكثر العلماء من حث الإنسان العاقل على أن يتفكر حتى في أقرب شيء إليه يتفكر في نفسه.
لما تكلم الإمام ابن القيم رحمه الله على قوله تعالى: وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا تكلم على الآيات التي بعدها؛ لأنه يتكلم على أقسام القرآن وصل إلى قوله تعالى: وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ ثم إنه رحمه الله أطال الكلام على قوله: وَفِي أَنْفُسِكُمْ فاستغرق أكثر من مائة صفحة أو مائة وخمسين صفحة في كتابه الذي سماه: التبيان في أقسام القرآن، وقد أفاض رحمه الله بكلام عجيب في وظائف أعضاء الإنسان، وبيان وظيفة كل عضو من مفرق رأسه إلى إبهاميه مما يدل على أنه رحمه الله قد أعطاه الله تعالى قوة فكر، وقوة معرفة.
فإذا قرأت هذه الأوراق في هذا الكتاب عرفت قدرة من أنشأ الإنسان، بل ومن أنشأ هذا الكون كيف أن الله تعالى قدَّر وجود هذا الإنسان على هذه الكيفية، ثم أعطاه من كل ما يحتاج إليه حتى تتم بذلك حياته، وحتى يتفكر ويتأمل ويعرف أن الذي خلقه قادر على أن يعيده كما بدأه كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وأن الذي خلقه هو الذي خلق جميع هذا الكون بأجمعه، وأن المخلوقين كلهم لا يقدرون على شيء من ذلك؛ ولذلك يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ الذباب هذه الحشرة المستقذرة الصغيرة الحقيرة لو اجتمع الخلق أن يخلقوا مثل هذا الذباب يعني: يركبوا مفاصله ويركبوا أعضاءه ويركبوا أجنحته، وينفخوا فيه الروح حتى يتحرك وحتى يطير وحتى يأكل ويتغذى؛ لن يستطيعوا ذلك لأن الذي خلقه هو خالق الكون كله.
ولذلك يقول الله تعالى في آيه أخرى: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ يعني: هذه الجبال التي أرساها حتى لا تضطرب بكم ولا تتحرك ثم يقول بعد ذلك: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ هذا هو خلق الله الذي أبدع هذا الكون وحده. أروني ماذا خلق الذين من دونه؟ هل خلقوا شيئا مثل خلق الله؟
ورد أيضًا في الحديث القدسي قول الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا بُرة أو ليخلقوا شعيرة هذا على وجه التحدي أي أنهم لا يقدرون على أن يخلقوا ذرة. من أصغر المخلوقات هذه الحشرة الصغيرة، لا يقدرون أن يخلقوها وينفخوا فيها الروح، ويجعلوا فيها أيديها ورجليها وأعضاءها الداخلية مثلا، وسمعها وبصرها وبطنها وعروقها، ونحو ذلك. فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا برة أو ليخلقوا شعيرة. يعني هل يقدرون أن يخلقوا هذه الشعيرة التي ينبتها الله تعالى، ويجعل عليها هذا الغلاف هذه الأغلفة التي تكسوها وتحيط بها بحيث أنها تكون مثل الطبيعية بحيث إنها إذا بذرت نبتت، وأنبتت سنبلها، وكذلك البرة، ولو صوروا مثلها لكن لا يقدرون على أن يخلقوا مثل البرة التي خلقها الله يقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى فالق الحب: حب الحنطة.
هذا الفلق الذي فيه جعله الله تعالى سببا لنباتها، وكذلك نواة التمر جعل فيها هذا الفلق الذي بوجهها بحيث أنها إذا بذرت نبتت نخلة، فهل يقدر أحد أن يصنع مثل هذه النواة بحيث تنبت إذا بذرت، أو مثل هذه البرة أو الشعيرة التي إذا بذرت نبتت وسنبلت، وصارت ذات سنابل وذات قصب وأغصان؟ لا يقدرون على ذلك إذا الذي يقدر على ذلك هو الله تعالى وحده.
فيجب أن يعترفوا له بالفضل وأن يعتقدوا عظمته.