التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الثاني
5- الإيمان بالصراط وصفته ومكانه
[والصراط منصوب على متن جهنم، وهو الجسر الذي بين الجنة والنار، يمر الناس عليه على قدر أعمالهم، فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدو عدوا، ومنهم من يمشي مشيا، ومنهم من يزحف زحفا، ومنهم من يخطف خطفا ويلقى في جهنم ؛ فإن الجسر عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم] .
من الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بما بعد البعث، ومن جملة ما بعد البعث: الصراط، وقد ورد ذكره في السنة وإن لم يصرح به في القرآن، قال بعضهم: إنه مذكور في القرآن بلفظ غير صريح وهو الورود المذكور في قوله تعالى: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
ولكنه ورد صراحة في السنة في أحاديث متفق عليها أو محققة الصحة، وإن لم تكن متفقا عليها، فلما كان كذلك صدقها أهل السنة، واعتقدوا ثبوت ما جاء فيها، وأدخلوها في جملة عقائدهم.
وذلك لأن الأحاديث الصحيحة الثابتة تفيد اليقين، فتدخل في جملة الاعتقاد، وإن خالف في ذلك من خالف من طائفة أهل الكلام الذين قالوا: إن الأحاديث الآحادية لا تفيد اليقين، عللوا هذا بقولهم: إن أحاديث الصراط لم تبلغ حد التواتر فلا يُعتقد مدلولها؛ وذلك لأنهم ردوا أحاديث أصح منها وأكثر، مثل أحاديث نزول الرب كما يشاء في كل ليلة كما ورد في الأحاديث الصحيحة الثابتة، ومع ذلك ردوها؛ لأنها أخبار آحادية ولأنها في العقيدة، والعقيدة لا بد فيها من اليقين والأخبار المتواترة ونحوها.
فيقال لهم: كذلك أحاديث أحوال الآخرة، أنتم تعتقدونها وتصدقون بمدلولها، فتؤمنون مثلا وتصدقون بأحاديث تطاير الصحف والحوض، وبأحاديث الصراط وبأحاديث القنطرة وما أشبه ذلك، وإن لم يبلغ بعضها حد التواتر فتصدقون بذلك، فقد فرقتم بين متماثلين.
والحاصل أن من جملة الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بالصراط رأس> والصراط كما ذكر منصوب على متن جهنم، وهو جسر بين الجنة والنار، أو أنه على متن النار يمر الناس عليه في طريقهم وعبورهم، فيمرون على النار.
فالمؤمن قوي الإيمان لا يحس بحرارة النار، وكأنه ما مر عليها، حتى ورد في بعض الآثار أن النار تقول: جُزْ يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي
![أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10 / 360) وقال: رواه الطبراني وفيه سليم بن منصور ابن عمار وهو ضعيف، ولذلك لم يجزم الشارح حفظه الله بثبوته.](/site/books.png)
والصراط المعنوي هو الذي نسأل الله في صلاتنا أن يهديناه نقول: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
ذكر في هذه الآيات إرشادات: أولها: النهي عن الشرك. وثانيها: الأمر بالإحسان إلى الوالدين. وثالثها: النهي عن قتل الأولاد خشية الفقر.
ورابعها: النهي عن قُرْبان الفواحش ما ظهر منها وما بطن. وخامسها: النهي عن قتل النفس بغير حق. وسادسها: النهي عن قربان مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن. وسابعها: الأمر بإيفاء المكاييل والموازين بالقسط. وثامنها: الأمر بالعدل في الأقوال والأفعال ونحوها، إلى أن تمت هذه الإرشادات وأتمها الله تعالي بقوله: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
فهذه الأشياء هي الصراط المعنوي الذي في الدنيا، فالذي يكون عاملا بهذه الأوامر وتاركا لهذه المحرمات، هو الذي يكون مهتديا على الصراط المستقيم.
وقد ذكر الله تعالى أنه صراط المُنْعَم عليهم. وفسر الذين أنعم الله عليهم بقوله تعالى: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
هؤلاء هم أهل النعمة الذين نقول عنهم في صلاتنا: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
وذلك أن تمسك الناس في هذه الدنيا بالصراط وسيرهم عليه مختلف، فمنهم من يكون سيره بطيئًا، بحيث إنهم في الدنيا يُخِلُّونَ بكثير من الواجبات، ويرتكبون كثيرا من المحرمات ويقصرون ويخالفون في شيء من الاعتقادات، فيكون سيرهم في الدنيا سيرا ضعيفا.
ومنهم من يكون متوسطا فيكون محافظا على الواجبات، وتاركا للمحرمات، وإن لم يحافظ على السنن والمندوبات وإن لم يترك المكروهات والمباحات ونحوها، فهذا سيره على الصراط الأخروي أقوى من الأول.
وهكذا، من كان أتم تمسكا بالصراط الدنيوي المعنوي بأن يكون مثلا محافظا على الواجبات، وآتيا للمستحبات، وتاركا لجميع المحرمات، وتاركا للمكروهات ولبعض المباحات، فهذا هو الذي يكون سيره سريعا غاية السرعة على ذلك الصراط المستقيم الذي يُنصب على متن جهنم.
وقد ورد في أوصاف الصراط الأخروي أوصاف كثيرة، ولكن بعضها لم يثبت، وقد ورد في أحاديث صححها بعضهم ما يدل على دقته وحرارته؛ فورد أن الصراط الذي يسير الناس عليه: أحر من الجمر، وأنه أدق من الشعرة، وأحد من السيف لكن بعض ذلك لم يثبت، وغالبه يكون من القُصاص، لكن بعض الروايات التي ورد فيها أنه أدق من الشعرة وأحد من السيف
![أخرجه أحمد في المسند (6 / 110) وفي سنده ابن لهيعة. </font><br> وذكره مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري يرقم (183) في الإيمان. قلت: وهو مما لا يقال بالرأي فله حكم الرفع والله أعلم.](/site/books.png)
فعلى كل حال فإن هذا يدل على أن هذا الصراط في غاية من الدقة والحرارة، ولكن يُثبت الله عليه أهل الإيمان حيث ثبتوا على أعمالهم وعقائدهم في الدنيا، فثبتهم على هذا الصراط في الآخرة. وهكذا أيضا لما كانوا متمسكين بالأعمال الصالحة في الدنيا، كان تمسكهم سببا في سرعة قطعهم لهذا الصراط بسرعة.
فقد روي في بعض الآثار في وصفه أن طوله مسيرة ألف عام صعودا واستواءه مسيرة ألف عام، وأن الهبوط منه أيضا مسيرة ألف عام.
وإذا كان كذلك فمتى يقطعه الذي يسير سيرا معتادا؟ ولكن لما كان الذين رزقهم الله الأعمال الصالحة والاستعداد للقاء الله تعالى قد كملوا ما طلب منهم؛ رزقهم الله سرعة السير عليه، فلذلك ذكر في هذه الأحاديث أنهم يسيرون عليه سيرا سريعا، فمنهم من يمر كالبرق.
قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![أخرجه مسلم برقم (195) في الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلة. عن حذيفة رضي الله عنه.](/site/books.png)
ومنهم من يمر كالريح، والريح معلوم سرعة سيرها فإنها تقطع مسافات كبيرة في لحظات فإنها تأتي من الشمال مثلا ثم لا تلبث أن تمر على بلاد كثيرة في تلك الجهة، حيث إن الله تعالى يُسَيِّرها كيف يشاء.
فمن الناس من يمر كهذه الريح في سرعتها وانطلاقها، ومنهم- كما في بعض الروايات- من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالفرس الجواد، والفرس أيضا سريع السير؛ لشدة جريه؛ يقطع المسافات الطويلة في زمن قصير.
ومنهم من يمر كركاب الإبل، كالذين يركبون الدواب: على الإبل، ومنهم من يمشي مشيا على الأقدام، ومنهم من يزحف زحفا على يديه، أو على رجليه، أو على مقعدته.
ويسير الناس أيضا على هذا الصراط على قدر أنوارهم، وقد ورد في بعض الآثار أنهم يُعْطَوْنَ أنوارا يسيرون بها. يقول الله تعالى: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
يقول المؤمنون: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
ثم ذكر أيضا أن منهم المخطوف والمُلْقى في النار، حيث ورد في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![أخرجه البخاري برقم (7437) في التوحيد، باب: قول الله تعالى: </رسم> وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ </رسم> ومسلم برقم (182) في الإيمان، باب: معرفة طريق الرؤية. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.](/site/books.png)
فمنهم من ينجو ويسلم بفضل الله تعالى عليه، ومنهم من يخدش بأن يناله ما يناله من تلك العقبات ومن تلك الضربات ونحوها. ومنهم من تخطفه تلك الكلاليب. والكلاليب هي حديد. معكوف رأسه محدد يجتذب به اللحم إذا ألقى في النار، فتلك الكلاليب كثيرة الرءوس ومثلها النبي صلى الله عليه وسلم بشوك السعدان لكثرة رءوسه المحددة إلا أنه قال: رسم> غير أنه لا يعلم قدرها إلا الله رسم> .
فتخطف من أمرت بخطفه، فإذا اختطف الذي أمرت بخطفه فلا شك أنه يسقط، وليس تحته إلا النار والعياذ بالله، فالذي ينجو من هذا الصراط هو الذي ينجو من العذاب ولا يدخل النار أصلا، والذي يقع فيها هو الذي يقع في العذاب.
مسألة>