إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الثاني
46000 مشاهدة
التفضيل بين الصحابة

[ ويفضلون من أنفق من قبل الفتح - وهو صلح الحديبية- وقاتل على من أنفق من بعد وقاتل.
ويقدمون المهاجرين على الأنصار. ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر- وكانوا ثلثمائة وبضعة عشر- اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم .
وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة ؛ كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بل لقد رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة ] .


(الشرح)* قوله: (ويفضلون من أنفق من قبل الفتح- وهو صلح الحديبية- وقاتل على من أنفق من بعد وقاتل...):
ذكر المؤلف في هذا الفصل مسألة التفضيل بين الصحابة رضي الله عنهم وأن بعضهم أفضل من بعض؟ فالمهاجرون الأولون الذين أسلموا قبل صلح الحديبية لا شك أنهم أعظم مرتبة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، وكلا وعد الله الحسنى، فالذين أسلموا قبل صلح الحديبية- وكان سنة ست- أفضل بكثير من الذين أسلموا بعده؛ لأنهم أسلموا في وقت الشدة، وتبعوا الرسول عليه الصلاة والسلام في وقت الضعف، وهاجروا وجاهدوا وأنفقوا جميع ما يملكون، وصبروا على الأذى في ذات الله تعالى، فلا يلحق بهم غيرهم، وكلا وعد الله الحسنى.
كذلك أيضا من المعلوم أن الصحابة يتفاوتون، فالمهاجرون أفضل من الأنصار؛ وذلك لأن المهاجرين أسلموا قديمًا قبل الأنصار في مكة وكثير منهم أوذي؛ كبلال وصهيب وعمار ونحوهم، اضطهدوا وضُربوا وألقي بهم في الرمضاء، وعُذبوا، وكانت نهايتهم أن هاجروا، تركوا بلادهم ووطنهم، وتركوا أموالهم وديارهم وما يملكون، وهاجروا لينجوا بأديانهم، كل منهم يفر بدينه من الفتن.
والأنصار- رضي الله عنهم- لهم فضل فهم الذين آووا ونصروا، ذكرهم الله تعالى بهذا، فبدأ بالمهاجرين ثم ثنى بالأنصار فقال: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا [الأنفال:74] ؛ الذين آمنوا وهاجروا هم المهاجرون والذين آووا ونصروا هم الأنصار.
وذكر المهاجرين أيضا في قوله: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا [ الحشر: 8 ].
ثم ذكر الأنصار بقوله : وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ [الحشر : 9].
فالأنصار لهم مزية ولكن المهاجرين أفضل منهم، ولهذا يقدمهم الله كما في قوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [ التوبة: 100 ] هذه أيضا من فضائلهم، ولا شك أيضا أن لهم فضائل ومزايا أخرى.
وهناك أيضا من اختصوا بفضائل ومزايا وردت بها الآيات والأحاديث كأهل بدر، فإن من فضيلتهم أن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم علم الله في سابق الأزل أنهم يموتون متمسكين فغفر لهم ما وقعوا فيه من أخطاء، وكان عددهم ثلاثمائة وثلاثة عشر أو نحو ذلك.
فهؤلاء أغلبهم من الأنصار، وفيهم من المهاجرين، وقتل منهم نحو أربعة عشر ونصرهم الله وأمدهم بملائكته الذين قاتلوا معهم حتى هزموا عدوهم، هذه فضيلة لهم.
كذلك أهل بيعة الرضوان الذين شهدوا صلح الحديبية؟ وذلك أنهم لما كانوا تحت الشجرة، طلب منهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يبايعوه على القتال، وعلى ألا يفروا فبايعوه، وكانوا نحوا من ألف وأربعمائة أو أكثر، فهؤلاء قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يدخلون الجنة وقال: لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة بل لقد رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة وأخبر الله تعالى بأنه قد رضي الله عنهم في قوله: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح: 18].
سادة الصحابة رضي الله عنهم ورضوا عنه- الذين سماهم الله تعالى السابقين وسماهم المهاجرين والأنصار- كيف تتسلطون عليهم يا معشر الرافضة وتسبونهم، وتزعمون أنهم مرتدون، وأنهم أردأ خلق الله، وأنهم خانوا الأمانة وتفضلون أنفسكم عليهم؟!، لا شك أن هذا عناد ومخالفة للأدلة الصحيحة التي أشير إليها، ومخالفة أيضا للواقع والمحسوس.