الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الثاني
45863 مشاهدة
9- إثبات رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة

[قوله: إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته،، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها ؛ فافعلوا . متفق عليه ] .


(الشرح)* قوله: (قوله: إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر... الحديث):
هذا الحديث يتعلق بإثبات رؤية الله تعالى في الدار الآخرة يقول صلى الله عليه وسلم: إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا وفي بعض الروايات أنه أقسم على هذه الرؤية، وفي هذا دليل على إثبات هذه الرؤية وأحقيتها.
ومعنى كما ترون القمر ليلة البدر يعني رؤية حقيقية كرؤيتكم لهذا القمر، وليس معناه أن الله مشبَّه بالقمر أو بشيء من مخلوقاته، وإنما شَبَّه هنا الرؤية بالرؤية، ولم يشبه المرئي بالمرئي بل المراد تحقيق الرؤية وثبوتها، والله تعالى أخبر بأن العباد يرونه في قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة: 22، 23].
وأخبر بأن الكفار لا يرونه، في قوله: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين: 15] وفسر النظر برؤية الله لقوله: عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ [المطففين: 83] أي إلى ربهم، فإذن الحديث أثبت الرؤية ثبوتا صحيحا، وهذا الحديث في الصحيحين عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه، وروي نحوه عن أبي هريرة وعن أبي سعيد وغيرهم من الصحابة، ففيه إثبات الرؤية.
ومن ذلك أيضا: حديث عن أبي موسى قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : جنتان من فضة، آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن .
فدل على أنه ليس بينهم وبين أن يروا ربهم إلا أن يرفع رداء الكبرياء عن وجهه فينظروا إليه.
وقد ورد ذلك أيضا في الدعاء النبوي المأثور الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة وذلك كله يدل على أن المؤمنين يرونه في الجنة كما يشاءون.
وأما قوله: فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا هاتان الصلاتان هما صلاة العصر وصلاة الفجر، يقول: حافظوا على هاتين الصلاتين، فإن لهما أهمية، وقد روي أن من حافظ عليهما رأى ربه بكرة وعشية وأن أعلى أهل الجنة من ينظر إلى ربه بكرة وعشية ، أي بكرة في وقت الفجر وعشيا في وقت العصر.
فمن حافظ على هاتين الصلاتين هذه المحافظة اطردت محافظته على بقيتهما؛ وذلك لأنهما يقعان في وقت النوم، صلاة الفجر تقع غالبًا في وقت الراحة والنوم، وصلاة العصر أيضًا قد تقع في وقت الواحة بعد الأعمال والإرهاق.
فإذا حافظ عليهما فبطريق الأوْلى أن يحافظ على غيرهما، فدل على أن المحافظة على الصلوات من أسباب رؤية الله؛ وذلك لأن المحافظة على الصلاة، تحمل على بقية الشرائع؛ لأن الصلاة تستجلب غيرها من أنواع العبادة، وتحمل أيضا على البعد عن المحرمات ؛ لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.

فمن حافظ على بعض الصلوات حافظ على بقيتها، فإن الصلوات متماسكة، لا يمكن أن يأتي بالبعض دون البعض لاعتقاده بأن الجميع فريضة من الله، وإذا أتى بهذه الصلوات استدعى ذلك أن يأتي ببقية الأركان؛ كالصوم، والزكاة، والحج، وما أشبهه. وإذا حافظ على هذه الأركان عرف أن ربه قد حرم عليه المحرمات فيتركها أيضا لله تعالى.
فإذا أتى العبد بالواجبات وانزجر عن المحرمات كان من ثوابه دخوله الجنة، وكان من ثوابه أيضا أن الله تعالى يتجلى له كما يتجلى لعباده في دار كرامته.