اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . logo قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
shape
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الثاني
73209 مشاهدة print word pdf
line-top
1- وسطية أهل السنة في باب الصفات بين الجهمية والمشبهة

[ فهم وسط في باب صفات الله سبحانه وتعالى بين أهل التعطيل الجهمية وأهذل التمثيل المشبهة ] .


(الشرح)قوله: (فهم وسط في باب صفات الله سبحانه وتعالى بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة):
أهل السنة وسط في باب صفات الله تعالى بين أهل التعطيل وهم الجهمية وبين أهل التمثيل وهم المشبهة ؛ فأهل التمثيل غلوا وجعلوا صفات الله كصفات المخلوق. وأهل التعطيل غلوا أيضا في النفي، فهؤلاء غلوا في الإثبات وهؤلاء غلوا في النفي، فأنكروا أن يكون لله تعالى صفات كمال أيا كانت، وقالوا: كل صفة موجودة في أي مخلوق لا نثبتها لله خوفًا من التشبيه، فوقعوا في التعطيل، ولذلك يقول فيهم ابن القيم
لسـنا نشبه ربنا بصفاتنا إن المشـبه عابد الأوثان
كلا ولا نخليه من أوصافه إن المعطـل عابد البهتان

ويقول بعض العلماء: الممثل يعبد صنمًا، والمعطل يعبد عدمًا، فتوسط أهل السنة وأثبتوا الصفات ونفوا عنها التمثيل، فلا تمثيل كالممثلة ولا تعطيل كالنفاة، فهم يقولون: لله صفات حقيقية ليست كصفات المخلوق، هذا هو توسطهم بين أهل التمثيل المشبهة، وأهل التعطيل النفاة كالجهمية ونحوهم، فإن الجهمية والمعتزلة وغيرهم بالغوا في النفي خوفًا وحذرًا من التشبيه، ويرددون قول الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [ الشورى: ا ا] ويرمون كل من أثبت صفة لله يوجد مثلها في المخلوق بأنه مشبه ممثل، ويقول قائلهم وهو الزمخشري
قـد شـبهوه بخلقـه فتخـوفوا شنع الورى فتستروا بالبلكفه

يريد قول أهل السنة أن له سمعا بلا كيف وبصرًا بلا كيف وأنه يرى بلا كيف، فهو ينكر عليهم ويرميهم بالتشبيه.
أما الممثلة فهم قليلون في فرق الأمة، وهم الذين يغلون في إثبات الصفات، كقولهم: يد كأيدينا وبصر وسمع كأبصارنا وأسماعنا، وقد اتفق أهل السنة أن ذلك كفر؛ لأنه تنقص؛ لأن المخلوق ضعيف، ويأتي عليه الفناء، وهو حادث بعد عدم، فأهل السنة توسطوا بين المعطلة والمشبهة، فأثبتوا الصفات كما يليق بالرب تعالى، ونزَّهوه عن مشابهة المخلوقات.

line-bottom