إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الثاني
48036 مشاهدة
وجوب الإيمان بأن القرآن كلام الله حقيقة

[ ومن الإيمان بالله وكتبه: الإيمان بأن القرآن: كلام الله منزل، غير مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود وأن الله تكلم به حقيقة، وأن هذا القرآن الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم هو كلام الله حقيقة لا كلام غيره.
ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله، أو عبارة، بل إذا قرأه الناس أو كتبوه في المصاحف لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله تعالى حقيقة، فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئا، لا إلى من قاله مبلغا مؤديا.
وهو كلام الله ؛ حروفه، ومعانيه، ليس كلام الله الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف] .


(الشرح) * قوله: (ومن الإيمان بالله وكتبه الإيمان بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق...):
يؤمن أهل السنة والجماعة بأن الله تعالى متكلم ويتكلم إذا شاء، وأن كلام الله قديم النوع حادث الآحاد، وأن من كلام الله تعالى هذا القرآن الذي أنزله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: 192-195] فهذا القرآن هو كلام الله حقيقة تكلم الله به كما يشاء وسماه كلامه.
وقال تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ [ التوبة: 6] ومن المعلوم أنه إنما يسمع هذا القرآن، فهو كلام الله حقيقة، منه بدأ وإليه يعود، فالله هو الذي تكلم به ابتداء، وهو كلامه الذي أنزله على قلب نبيه صلى الله عليه وسلم ، وإليه يعود، أي يرجع إليه، وذلك في آخر الدنيا عندما يتعطل ويترك العمل به، وينسخ من صدور الرجال ومن مصاحف الناس، ويُرفع ولا يبقى منه شيء، وذلك قرب قيام الساعة وانقضاء الدنيا، فإنه منه بدأ وإليه يعود، وهو كلام الله حقيقة.
ولا يجوز إطلاق القول بأنه عبارة، أو حكاية عن كلام الله، كما يقول بعض المبتدعة، الذين يقولون: إن كلام الله معنى قائم بنفسه، وإن هذا الذي نقرؤه ليس هو عين كلام الله، إنما هو عبارة عنه أو حكاية بمعنى المترجم، أي أنه ترجم ونقل إلى هذه اللغة أو إلى هذه الأحرف وهذه الكلمات، فليس هو كلام الله، ونقول ردا على ذلك: إذا اعترفنا أن الله تعالى يتكلم كيف يشاء، فلا مانع أن يكون تكلم به كما هو، وأنزله بهذا اللسان كما يشاء.
فالله تعالى لا يعجزه شيء، فمن قال: إنه عبارة أو حكاية، لم يكن مقرا بأنه كلام الله، بل جعله عبارة عنه، وجعل هذا الكلام كلام ذلك المعبر أو المفسر أو المترجم، فلا يسمع السامع كلام الله، ويصح على هذا القول الباطل أن يقال: ليس هذا عين كلام الله بل هو بمعناه أو نحو ذلك، أو أن كلام الله هو المعنى دون الحرف، وكل هذا خطأ.
ومن ذلك أيضا القول بأنه مخلوق، كقول المعتزلة والجهمية، فإنهم يعتقدون أن الله لا يتكلم، وأن هذا مخلوق كسائر المخلوقات، خلقه إما في اللوح المحفوظ، أو خلقه في القلم وجرى به أو نحو ذلك، ولا يعترفون بأن الله تكلم به، وينفون أن يكون الله تعالى متكلمًا، فيبطلون صفة الكلام التي هي من أعظم صفات الله تعالى.
كذلك نحن نقول: هذا الكلام هو كلام الله حيثما قرئ، وحيثما كتب، وحيثما نقل، لم يخرج بذلك عن كونه كلام الله، إذا قرأه القارئ فهو كلام الله، وإذا سمعناه من قارئ نقول: هذا القارئ يقرأ كلام الله نسمع صوته وهو يتلو كلام الله، ونقول كما يقول بعض العلماء: الصوت صوت القارئ، والقول قول البارئ، فالصوت الذي نسمعه صوت هذا الإنسان الذي قرأ، ولكن القول الذي قاله والذي نطق به هو أصلا كلام الله، وهذا معنى قوله: إنه متى قرأه قارئ أو كتبه أو نسخه لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله.
ثم يقال: إن الكلام يضاف إلى من قاله مبتدئا، لا إلى من قاله مبلغا مؤديا، فالذي ابتدأ هذا الكلام هو أحق بأن ينسب إليه . يقال: هذه الكلمة لفلان ولو تكلم بها الناس بعده وبلغوها، ويقال: هذه القصيدة لفلان، ولو قرأتها أنت وقرأها آخر يرويها عنه، وذلك لأنه هو الذي ابتدأ إنشاءها.
ويقال مثلا: هذا الكتاب لشيخ الإسلام ابن تيمية مثلا؛ لأنه هو الذي تكلم بهذه الكلمات وصفها هكذا، ولو قرأته أنت فقراءتك له لا تخرجه عن كونه كلام شيخ الإسلام وقراءتك لمتن الرحبية مثلا لا تخرجه عن كونه من نظم الرحبي فالكلام يضاف إلى من ابتدأه أول مرة لا إلى مَن قاله مبلغا أو ناقلا له.
فعرفنا بذلك أن القرآن هو عين كلام الله تعالى، حروفه ومعانيه، ليس كلام الله الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف، بل هذا اللفظ هو عين كلام الله كما يشاء الله تعالى.
إذا اعتقد المسلمون أن الله تعالى متكلم وأن الكلام صفة كمال واعتقدوا أن من كلامه هذا القرآن وكذلك سائر الكتب التي أنزلها، اعتقد أيضًا أن كلام الله كله هدى، وكله شفاء، وكله نور، وكله حكمة وبيان، وأن كلام الله تعالى ليس له نهاية كما في قوله تعالى: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [ الكهف: 109].
ومعنى ذلك: أن كلام الله تعالى لا يقوم له مداد، ولا يعدُّه عادٌّ، ولا يحصيه أحد؛ وذلك لأن المخلوقات حادثة وفانية، وكلام الله تعالى ليس له نهاية، وكل ذلك يعطي المسلم عقيدة راسخة في قلبه بأن الله تعالى متصف بصفات الكمال، وأن ربه نزل على عباده الكتب التي هي كلامه، وضمَّنَها أحكامه، وأنه أقام عليهم الحجة وقطع عنهم المعذرة؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، فإذا آمن العبد بذلك وأيقن به، واعتقد هذه العقيدة الراسخة، حمله ذلك على أن يعبد هذا الرب حق عبادته، وأن يخافه حق خوفه، وأن يراقبه في سره وعلانيته، وأن يعظمه حق التعظيم، وكل ذلك من آثار هذه العقيدة السلفية.