شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة logo اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
shape
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الثاني
66908 مشاهدة print word pdf
line-top
حكم الفاسق المِلِّي

[ولا يسلبون الفاسق الملي الإسلام بالكلية، ولا يخلدونه في النار، كما تقول المعتزلة .
بل الفاسق يدخل في اسم الإيمان، كما في قوله: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [ النساء: 92 ].
وقد لا يدخل في اسم الإيمان المطلق ، كما في قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [ الأنفال: 2 ] وقوله صلى الله عليه وسلم: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نُهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن ونقول: هو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فلا يعطى الاسم المطلق، ولا يسلب مطلق الاسم] .


(الشرح) قوله: (ولا يسلبون الفاسق الملي الإسلام بالكلية، ولا يخلدونه في النار، كما تقوله المعتزلة...):
هذا كلام في حكم العاصي: وهو المقترف لذنب أو كبيرة وفيه ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: مذهب الخوارج:
وهم الذين يكفرون بالذنوب، ويخرجون العاصي وصاحب الكبيرة من الإيمان ويدخلونه في الكفر ويخلدونه في النار، وينكرون - لأجل عقيدتهم- خروجه من النار بشفاعة الشافعين أو بغير ذلك، ويقولون: إن من دخل النار خُلِّد فيها فلا يخرج منها أبدا. هذه عقيدة الخوارج ولما اعتقدوا هذا المعتقد ؛ من أن صاحب الكبيرة كافر، نتج عن اعتقادهم استباحة دماء المسلمين وأموالهم، فصار صاحب الكبيرة عندهم بمنزلة الكفار؛ يقتل، ويسلب ماله وأهله، ويسترق أولاده ونساؤه، وإذا قتل فإنه لا يدفن في مقابر المسلمين ما دام أنه صاحب كبيرة، كالقتل والزنا وشرب الخمر وأكل الربا وما أشبه ذلك، فهذه عندهم كبائر تخرج من الإيمان وتدخل في الكفر، وصاحبها في النار ولا يخرج من النار أبدا. هذا هو مذهب الخوارج .
المذهب الثاني: مذهب المعتزلة:
فالمعتزلة وافقوا الخوارج على حكمه في الآخرة، وخالفوهم في حكمه في الدنيا، اتفقوا مع الخوارج على أن من مات وهو على كبيرة غير تائب منها، فإنه في النار مخلد فيها لا يخرج منها أبدا، وجعلوا ذلك أصلا من أصولهم الخمسة، ويسمونه: إنفاذ الوعيد فيقولون: إن الله إذا وعد وفى بوعده، وكذلك إذا توعد فإنه لا يخلف وعيده، وقد يستدلون ببعض الآيات مثل قوله تعالى: كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا [ الحج: 22 ].
فقالوا: هذا دليل على أنهم لا يخرجون ومثل قوله تعالى: وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة: 167 ] وأمثال هذه الآيات.
وجواب أهل السنة: إن هذه الآيات خاصة بمن مات على الكفر، وليست الآيات فيمن مات وهو موحد مسلم وإن كان مذنبا.
فالمعتزلة والخوارج اتفقوا على أن صاحب الكبيرة في النار خالدا مخلدا لا يخرج منها أبدا.
أما في الدنيا، فإن المعتزلة يخرجونه من الإيمان، ولا يدخلونه في الكفر، بل يجعلونه في منزلة بين المنزلتين، فيقولون: لا نواليه ولا نواده ولا نحبه، بل نقاطعه ونعاديه، ولو كان أقرب قريب، لكن لا نقاتله كقتالنا للكفار، ولا نقول حل ماله، ولا حل دمه، ولا حل استرقاق نسائه، ولا نجعله مثل الكفار الذين يقاتلون، ولا مثل المؤمنين الذين يوالون، بل نخرجه من الإيمان ولا ندخله في الكفر.
هذه هي المنزلة بين المنزلتين، وهي من أصول المعتزلة الخمسة. والأصول الخمسة هي: التوحيد، والعدل، وإنفاذ الوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فالتوحيد عندهم: قصدوا به نفي الصفات وقالوا: إذا أثبتنا صفة سمع وبصر ويد ووجه وقدرة وعلم، أثبتنا عددا، والصفات قديمة فلا نكون أثبتنا واحدًا، حيث أثبتنا القِدَم لعدد كثير، فلا يثبت توحيد الإنسان عندهم إلا إذا نفى الصفات، ولم يثبت إلا ذاتا بدون صفات.
فالتوحيد عندهم هو نفي الصفات؛ لأنه يلزم عندهم لإثبات الصفات تعدد القدماء.
وأجاب أهل السنة بأن الصفة تتبع الموصوف، وأن الله واحد بصفاته، وأنه قديم بصفاته.
والعدل عندهم: أرادوا به عدم خلق أفعال العباد، فيقولون: كيف يقدر على الإنسان الذنب ويعاقبه عليه، فالعبد عندهم هو الذي يخلق فعل نفسه، فلا يمكن أن يكون الله هو الذي قدر عليه الكفر وكتب عليه أنه شقي ثم بعد ذلك يعاقبه، هذا ظلم عندهم، إذًا الله ليس بقادر على أن يهدي مَن يشاء ولا يضل من يشاء، بل العبد هو الذي يعمل ويخلق فعل نفسه، ولأجل هذا القول أصبحوا مشركين؛ لأنهم جعلوا الله يُعْصَى قسرًا، وجعلوا قدرة العبد أقوى من قدرة الله. هذا هو العدل عندهم.
وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندهم: فمعناه القيام على الولاة والخروج على السلاطين إذا أتوا منكرا، ولو حصل ما حصل من فتن وإراقة دماء.
أما إنفاذ الوعيد فقد أشرنا إليه قبل قليل.
المذهب الثالث: مذهب أهل السنة:
وهو أنه لا يخرج صاحب الكبيرة من الإسلام ولا يدخل في الكفر، ولكن لا يعامل كمعاملة المسلمين بالمحبة والمودة، ولا يستباح دمه وماله كالكفار، وإنما هو عاص وليس بخارج من الإيمان.
هذا حكمه في الدنيا، وأما حكمه في الآخرة فتحت مشيئة الله، فإن شاء عفا عنه وغفر له كبيرته وأدخله الجنة، وإن شاء عذَّبه في النار بقدر ذنوبه ومآله إلى الإخراج ؛ وذلك لتواتر الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يبقى في النار أحد من أهل التوحيد وأهل لا إله إلا الله، وأنه يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه مثقال ذرة من إيمان. وكذلك الأحاديث التي في شفاعته صلى الله عليه وسلم وأنها نائلة من مات لا يشرك بالله شيئا، وأشباه ذلك من الأحاديث.
وفي الحقيقة أنك قد تجد أحاديث تخالف هذه القاعدة، وتوافق أقوال المعتزلة أو الخوارج، وقد تجد أيضا آيات في ذلك، فتجد بعض الآيات يترتب فيها الوعيد على ذنب دون الشرك، كالوعيد في آية القتل عمدا: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [ النساء: 93 ] فهذا وعيد شديد، والذنب دون الشرك.
ومثل آكل الربا في قوله تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [ البقرة: 275، 276 ].
ومثل آكل مال اليتيم إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [ النساء: 10] وأشباه ذلك.

ومثلها في الأحاديث ففد ورد وعيد شديد على بعض الذنوب كقوله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة قتات أي نمام. وقوله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية . وقوله في الحديث: من عقد لحيته، أو تقلد وترا، أو استنجى برجيع دابة فإن محمدا بريء منه .
وحديث: من غشنا فليس منا وأشباه ذلك أحاديث كثيرة.
وربما توعد عليها بالنار وبالخلود في النار، فما موقفنا من هذه الأحاديث ؟
موقف أهل السنة من هذه الأحاديث أنها تجرى على ظاهرها ؛ ليكون أبلغ في الزجر. ولكن بعض العلماء رحمهم الله حاولوا تأويلها، وقد تكلفوا فتجد أحاديث كثيرة في هذا الباب في صحيح مسلم في الجزء الثاني من المجلد الأول ففيه أحاديث كثيرة فيها الوعيد الشديد على بعض الذنوب والمعاصي وتجد الشارح وهو الإمام النووي رحمه الله قد تأول كثيرا منها وحاول صرفها، وأكثر العلماء قالوا: إنها في مستحل ذلك، يعني محمولة على من فعل ذلك مستحلا، بخلاف ما إذا فعله متأولا أو متساهلا في اعتقاده للتحريم، فإنه لا يخرج من الملة، ولا يدخل في الكفر، ولا يحكم بخلوده في النار، وذلك لأنه جاءت مع هذه الأحاديث التي في الوعيد أحاديث أخرى كثيرة في الوعد وفي إخراج الموحدين من النار. وتجدها- في أول المجلد الثاني في الجزء الثالث من صحيح مسلم وغيره.
ولصراحة هذه الأحاديث أخذ بها أهل السنة، كأحاديث الشفاعة وإخراج الموحدين من النار، ولما لم يستطيعوا الجمع بين قبول هذه وقبول هذه، فعند ذلك قالوا: هذه الأحاديث التي في الوعيد نُجْرِيها على ظاهرها؛ ليكون أبلغ في الزجر. وأحاديث الوعد والبشارة بالخروج من النار ونحو ذلك نقول بها لصراحتها.
وإذا تأول متأول أحاديث الوعيد فجعلها فيمن يستحل مثلا، فمن استحل القتل يعتبر كافرا، ومنازعا لله تعالى، ومُكذبا بشرع الله ؛ لأن تحريم القتل معلوم من الدين بالضرورة.
وكذلك تحريم الربا، وتحريم أكل مال اليتيم، وتحريم التولي يوم الزحف، وتحريم قذف المحصنات، وما أشبه ذلك، كله معلوم من الدين بالضرورة، فالذي يكذب به ويفعله مستحلا له يكفر، وهكذا لو استحله ولم يفعله، فلو أفتى بإباحة أكل الربا صريحا، وأجازه ولم يكن له تأويل سائغ كأن يحل الربا الصريح الذي هو كربا الجاهلية، فإنه يكفر ولو لم يستعمله ولو لم يأكله.
وكذلك لو أباح أكل مال اليتيم، أو أباح القذف مثلا، مع علمه الصريح بأنه محرم في الشرع، فإنه يعتبر منازعا لله، مكذبا للنصوص، فيكفر بذلك سواء فعلها أو لم يفعلها.
فقاتل نفسه مثلا ورد فيه وعيد شديد، ولذلك لا يصلي عليه الإمام ليكون أبلغ في الزجر، ولكن يصلي عليه غير الإمام؛ لأنه لم يخرج من الإسلام ؛ فقد ورد حديث في الصحيح فيه الوعيد الشديد لمن قتل نفسه عامدا بأي صورة من الصور، وقد حمله العلماء على المستحل لذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قتل نفسه بحديدة، فحديدته يجأ بها نفسه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سما فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه، فإنه يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا .
فالذي يقتل نفسه فإنه يعذب في نار جهنم، وحمل ذلك على المستحل الذي يرى أن ذلك مباح؛ وذلك لأن الإنسان لا يملك نفسه ولو كانت نفسه التي بين جنبيه، فليس له أن ينتهك ما حرم الله ولو بقتل نفسه، كما أنه ليس له أن يتلف ماله ولو كان ماله الذي اكتسبه بيمينه.
فلو رأيناه يحرق ماله ويقول: هذا مالي وأنا حر فيه، منعناه وأخذنا على يده، بل حكمنا عليه بالجنون، وعدم المعرفة للمصلحة، وحجرنا عليه.
وهكذا أيضا التصرف فيما هو ملك لله تعالى.
الحاصل أن أحاديث الوعيد، الصحيح فيها أنها تجرى على ظاهرها، ليكون أبلغ في الزجر، مع اعتقاد أنه لا يبقى أحد من أهل التوحيد مخلدا فيها، بل إن من مات وهو على الإيمان والتوحيد يعذب في النار بقدر ذنوبه وكبائره، ثم يخرج من النار بإيمانه وتوحيده.
هذا معنى قول شيخ الإسلام إن أهل السنة يقولون في صاحب الكبيرة:
إنه لا يُعطى اسم الإيمان المطلق، ولا يسلب مطلق الإيمان.
وهناك فرق بين الإيمان المطلق ومطلق الإيمان ؛ فالإيمان المطلق معناه: الكامل، فالعاصي لا يعطى الإيمان الكامل أو المطلق، والعاصي والمذنب لا يسلب مطلق الإيمان، يعني اسم الإيمان، فاسم الإيمان يشمل العاصي والمطيع، والمذنب وغير المذنب، يدخلون كلهم في اسم الإيمان. يقال: هذا معه إيمان، هذا من أهل الإيمان.
أما أهل الإيمان الكامل فهم الذين فعلوا الواجبات، وكثيرا من المستحبات أو جميعها، وتركوا المحرمات والمكروهات وبعض المباحات التي تشغل عن كثير من المستحبات، فهؤلاء أهل الإيمان المطلق التام، ولذلك فإنهم يدخلون الجنة على أول وهلة، وهؤلاء هم الذين لا حساب عليهم؛ وذلك لعدم السيئات التي اقترفوها، وإذا اقترفوا شيئا من الذنوب، كانوا قد تابوا وأقلعوا عنه، فمحي عنهم بالتوبة، فهؤلاء هم أهل الإيمان المطلق الكامل، وهؤلاء هم الذين مدحهم الله في كثير من الآيات كهذه الآيات التي في أول سورة الأنفال قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [ الأنفال: 2- 4 ].
معلوم أن الله ما ذكر إلا خمس خصال، ولكن هذه الخصال تستتبع غيرها، فكونهم إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، يدل على أنهم سواء سمعوا ذكر الله بآذانهم، أو خطر ذكر الله بقلوبهم وجلت قلوبهم، أي خافت من هيبته، ولا شك أن هذا الوجل يحدث لهم ذكر الله، ويحدث لهم شكره وطواعيته، ويحدث لهم التزود من الطاعات، ويحدث لهم قوة الإيمان والمعرفة، والابتعاد عن الذنوب والسيئات والمخالفات، فكان هذا الذكر الذي يحصل به وجل القلب، يدخل فيه كثير من الحسنات أو يحدثها، هذه هي الخصلة الأولى.
وأما الخصلة الثانية: وهي زيادة الإيمان إذا تليت عليهم آياته، فالمراد بآياته: كلامه أو مخلوقاته التي جعلها دلالات على قدرته، فمتى تفكروا في مخلوقاته زاد إيمانهم، وكذلك متى سمعوا كلامه زاد إيمانهم.
كيف يزيد إيمانهم؟ مجرد السماع هل يكون سببا في الزيادة؟
نعم؛ لأنهم متى سمعوا طبَّقوا، ومتى رأوا الآيات أو ذكروا بها اعتبروا، فقوي إيمانهم الذي في القلب، بمعنى أنهم ازدادوا ثباتا وطمأنينة في قلوبهم، ونتج عن ذلك أيضا كثرة الأعمال، فتجدهم يكثرون من ذكر الله، ويكثرون من شكره والاعتراف بمنته، ويقبلون على التزود من أنواع عبادته، والتزود لا شك أنه يكون بأعمال يضيفونها إلى أعمالهم السابقة، فيكون ذلك زيادة في إيمانهم، فإن الإيمان- كما تقدم- يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، فالآيات التي يسمعونها، إذا سمعوها عملوا بموجبها، فزادت حسناتهم وزادت أعمالهم الصالحة، فقوي وزاد إيمانهم زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [ الأنفال: 2 ].
وأما الخصلة الثالثة: وهي قوة توكلهم على الله وحده، فإن هذا وإن كان عملا قلبيا وهو التوكل، فإنه ينتج منه الرضا بالله حسيبا ووكيلا، بحيث يفوضون إليه أمورهم، ويرضون بتدبيره وتصرفه، ولا يعترضون على شيء من أحكامه وقضائه وقدره، وكذلك يتوكلون عليه في كشف أمورهم وشئونهم، وما أشبه ذلك ويثقون أنه حَسْبُ من توكل عليه.
أما الحديث: ففيه أيضًا نفي الإيمان عن بعض العصاة، فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن .
هذه الخصال الأربع من كبائر الذنوب، مُتَوَعَّدٌ عليها بوعيد شديد في الدنيا؛ بالجلد مثلا للزاني غير المحصن وكذلك القاذف، أو الرجم للزاني المحصن، أو بقطع اليد للسارق، أو ما أشبه ذلك من العقوبات المقررة شرعًا.
وهناك وعيد في الآخرة أيضا؛ لأنه قد اختلف: هل الحدود مكفرة لتلك الذنوب المقترفة أو ليست بمكفرة.
فالحاصل أن هذه ذنوب وكبائر، وفيها وعيد شديد، ولو لم يكن فيها إلا هذا الحديث الذي فيه أنه ليس بمؤمن: لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن إذا ماذا يكون؟ هل يكون كافرا إذا شرب الخمر؟ من العلماء من يقول: إن الإيمان ينتزع عنه، فإذا تلبس بالزنا خرج منه الإيمان، وصار عليه كالظلة، فإذا تاب رجع إليه، ولا يرجع إليه الإيمان كاملا، بل يكون ناقصا، وهكذا إذا تلبس بجريمة شرب الخمر، فإنه ينتزع منه الإيمان، فلا يكون مؤمنا في تلك الحالات، فإذا تاب رجع إليه الإيمان، وهل يرجع الإيمان كما هو أم يرجع ناقصا متغيرا؟ لا شك أنه يرجع ناقصا فهذا قول .
والقول الثاني: أننا نسميه فاسقًا، لا نسميه مؤمنا ولا كافرا، بل نطلق عليه الفسق؛ وذلك لأن الفسق اسم للخروج عن الطاعة، وإن كان قد يطلق الفاسق على الكافر، وقد يحكم على الفاسق بأنه في النار كما قال تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا [السجدة : 20] لكن كأنهم في عرفهم جعلوا الفسق أقل من الكفر وفي منزلة دون الكفر .
فعلى كل حال : أطلق بعض العلماء على هؤلاء العصاة - على الزاني والسارق وشارب الخمر ، والمنتهب الذي يختطف أموال الناس ، ويذهب بها ويخطفها غصبا - أطلقوا عليه أنه فاسق ، وأطلق عليه بعضهم أنه عاص، وقال بعضهم : إنه مؤمن بإيمانه ، يعني بتوحيده وشهادته ، وفاسق بكبيرته وذنبه الذي اقترفه، فيكون ليس بمؤمن كامل الإيمان، فيسلب الإيمان المطلق الذي ذكر في الآية التي فيها خصال الإيمان ولا يسلب مطلق الاسم ، فإننا إذا سلبناه إياه أشبهنا المعتزلة أو الخوارج، فلا نخرجه من الإيمان، بحيث يكون دمه وماله حلالا ، ولا نعطيه وصف الإيمان الكامل الذي يستحق به أن يدخل الجنة على أول وهلة.
فبكل حالٍ ، العاصي والمذنب متوعد، وما دام أنه متوعد فينبغي له أن يخاف ويحذر ويعود إلى رشده وصوابه ويقبل على طاعة ربه، حتى ولو كان متوعدا بأن يدخل النار وقتا قصيرا ثم يخرج منها ، فإن هذا الوعيد كفى به زاجرًا له عن المعاصي وعن الأفعال القبيحة؛ لأنه لا يستطيع أحد أن يصبر على العذاب في جهنم، ولو لحظة واحدة ، فكيف بمدة يكون فيها العبد معذبا في جهنم ولا يعرف متى ستنتهي ، قد تكون سنة أو سنتين أو مائة ، أو ألفا ، وإن يوما عند ربك كألف سنة مما يعدون.
نسأل الله أن يحمينا من الفتن والمعاصي كبيرها وصغيرها.

line-bottom