إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
السراج الوهاج للمعتمر والحاج
53572 مشاهدة
ذبح الهدي

وأما ذبح الهدي فيُشرع بعد الرمي مباشرة، والمراد بالهدي: ما يُساق من خارج الحرم ويُهدى إلى مكة تقربا وتطوعا، وتعظيما لحرمات الله تعالى ، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ساق معه هديا بلغ مائة بدنة، جاء علي رضي الله عنه ببعضها من اليمن وكذا كثير من الصحابة، ساقوا معهم هديا من المدينة ومن غيرها، ولا يدخل في مسماه فدية التمتع والقران، وإنما تسمى هديا أو فدية لأنها من جنس ما يهدى من الأنعام التي هي الإبل والبقر والغنم.
ووقت الذبح من صبح يوم النحر، إلى آخر أيام التشريق الثلاثة، وكره بعض العلماء الذبح ليلا، لأن البعض يخفون هديهم وفديتهم في الليل، ليحرموا المساكين، وحيث أن الذبح يكثر في هذه الأيام، فأرى أن لا كراهة في الليل كالنهار، وإذا خاف أن لا يجد من يأكل فديته أو هديه يوم النحر فله التأخير، وهو أفضل، حيث إن الكثير الذين يذبحون في يوم العيد يلقون ما يذبحونه في الأرض، فتحرق تلك اللحوم أو تدفن، وتذهب ضياعا، بخلاف ما إذا أخَّر الذبح إلى اليوم الحادي عشر أو بعده، فسوف يجد من يتقبله من المساكين وغيرهم.
وعلى الحاج الحرص على أن يجد من ينتفع بفديته، ولو دفع أجرة لمن يسلخها ويحملها، ثم يوزعها على الحجاج في الخيام أو في ظل الجسور، أو داخل مكة ونحوها ، فسوف يجد من يفرح بذلك ويتقبله، فإن دفع فديته للشركات التي تقوم بالذبح والسلخ وإرسال اللحوم إلى الدول المسلمة الفقيرة فهو أفضل من إضاعتها، ويجزئ ذلك عنه، ولو لم يحضر الذبح معهم.
وأما دم الجبران وجزاء الصيد، فيجوز تأخيره بعد أيام التشريق، ويلزم تفريقه على مساكين الحرم ولا يأكل منه صاحبه، بخلاف دم الهدي والفدية فله منه، وإطعام رفقته، لقوله تعالى: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (سورة الحج ، الآية:28) .