السراج الوهاج للمعتمر والحاج
يوم عرفة (اليوم التاسع من ذي الحجة)
فإذا أصبح الحجيج في اليوم التاسع ، وطلعت الشمس ، توجهوا إلى عرفة اسم> فالوقوف بها هو الركن الأعظم للحج ، الذي رأس> قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم> الحج عرفة متن_ح> رسم> .
وعرفة اسم> مكان فسيح واسع ليس فيه بنا، وهو متسع من جهة الشمال، ومن جهة الجنوب، أما من جهة الشرق فتحده تلك الجبال التي تعرف (بجبل الرحمة) اسم> وما يتصل به من الجبال، وأما من جهة الغرب فيحده وادي عُرنة اسم> وما وراءه.
وذهب بعض العلماء إلى أن عُرنة اسم> داخلة في عرفة اسم> وعلى هذا فتكون نهايته ما وراء الوادي إلى منتهى عُرنة اسم> ويدخل فيه على الصحيح نمرة اسم> كما في حديث جابر اسم> الطويل وغيره كما اختاره الزركشي اسم> في شرح مختصر الخرقي (2373) وذكرنا في التعليق عليه بعض الأدلة من السنة.
ويسن للحجاج النزول بنمرة اسم> في بطن الوادي إلى الزوال إن تيسَّر ذلك، لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا زالت الشمس سن للإمام أو نائبه أن يخطب الناس خطبة تناسب الحال، يبين فيها ما شرع للحاج في هذا اليوم وبعده، ويأمرهم فيها بتقوى الله وتوحيده والإخلاص له في كل الأعمال، ويحذرهم من محارمه.. و غير ذلك.
بعد ذلك يصلي الحجاج الظهر والعصر قصرا وجمعا في وقت الأولى بأذان واحد وإقامتين لفعله -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث جابر اسم> .
ثم يقف الحجاج بعرفة اسم> وعرفة اسم> كلها موقف، يقفون خاشعين خاضعين، متضرعين، مستكينين لربهم، مظهرين الفقر والفاقة وشدة الحاجة إليه، مقيمين لحرماته، يعلمون أنهم في موقف عظيم يجمعهم كلهم، فالذين يتوافدون إلى البيت اسم> يجتمعون كلهم في ذلك المكان في اليوم التاسع في تلك الصحراء خاضعين لربهم، رافعين إليه أكف الضراعة، داعين له بكرة وعشية، طالبين منه حاجتهم الحاضرة والمستقبلية، راجين رحمته، فيباهي بهم ملائكته كما ورد ذلك في بعض الأحاديث: رسم> إن الله يباهي بأهل عرفة ملائكته ، فيقول: انظروا إلى هؤلاء، أتوني شعثا غبرا من كل فج عميق متن_ح> رسم> .
يقف الحجاج في ذلك اليوم ، وهم على هذه الهيئة، بعد أن أدوا صلاة الظهر والعصر، جمعا وقصرا، في وقت الظهر، وذلك ليطول زمن الوقوف ، ثم يقف الحجاج إن تيسَّر لهم الوقوف عند جبل الرحمة اسم> فذلك أفضل ، فإن لم يتيسر لهم، وقفوا في أي مكان من عرفة اسم> في داخل خيامهم أو غيرها، ولكن الأفضل أن يبرزوا ضاحين، لأنه روي عن ابن عباس اسم> أنه رأى رجلا قد استظل بقبة ونحوها فقال: أضح لمن أحرمت له ، يعني: أبرز فلا تستظل ولا تستكن في خيمة ، فالأفضل أن يكونوا بارزين ظاهرين من بعد الظهر، إلى غروب الشمس، منشغلين كل ذلك الوقت بالدعاء، والذكر، والتلبية، والقراءة، والأدعية الجامعة، كل ذلك مع حضور القلب وتواطئه مع اللسان، والبكاء، وحزن القلب ، فإن ذلك من أسباب قبول العمل ، ومن أسباب المغفرة.
بخلاف من كان في هذا الموقف قاسيا قلبه ، لا يخشع ولا يخضع ولا يدعو، ولا يتضرع ، إنما يترقب وينتظر انتهاء الوقت حتى يسارع ويسابق إلى الانصراف ! فإن هذا قد فاته خير كثير، وهو مباهاة الله للملائكة بالحجاج، في حالة كونهم خاشعين شعثا غبرا، يرجون الرحمة، ويخشون من العذاب.
ويسن أن يكثر من قول: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير . لما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: رسم> خيرُ الدعاء دُعاءُ يوم عرفة، وأفضلُ ما قلتُ أنا والنبيون من قبلي عشية عرفة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير متن_ح> رسم> وصح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: رسم> أحب الكلام إلى الله أربع : سُبحان الله، والحمدُ لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر رسم> .
فينبغي الإكثار من هذا الذكر وتكراره بخشوع وحضور قلب ، وينبغي الإكثار أيضا من الأذكار والأدعية الواردة في الشرع في كل وقت ؛ ولا سيما في هذا الموضع ، وفي هذا اليوم العظيم، ويختار جوامع الذكر والدعاء.
ويستحب أن يلح في الدعاء، ويسأل ربه من خيري الدنيا والآخرة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دعا كرر الدعاء ثلاثا، فينبغي التأسي به عليه الصلاة والسلام في ذلك.
ويكون المسلم في هذا الموقف مخبتا لربه سبحانه متواضعا له خاضعا لجنابه منكسرا بين يديه يرجو رحمته ومغفرته ، ويخاف عذابه ومقته، ويحاسب نفسه ، ويجدد توبة نصوحا، هذا يوم عظيم، ومجمع كبير ، يجود الله فيه على عباده ، ويباهي بهم ملائكته، ويكثر فيه العتق من النار، وما رُؤيَ الشيطان في يوم هو فيه أدحر ولا أصغر ولا أحقر منه في يوم عرفة اسم> إلا ما رؤي يوم بدر اسم> وذلك لما يرى من جُود الله على عباده وإحسانه إليهم وكثرة إعتاقه ومغفرته.
وفي صحيح مسلم اسم> عن عائشة اسم> رضي الله عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنَّه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ .
فينبغي للمسلمين أن يروا الله من أنفسهم خيرا ، وأن يهينوا عدوهم الشيطان ، ويحزنوه بكثرة الذكر والدعاء ، وملازمة التوبة والاستغفار من جميع الذنوب والخطايا، ولا يزال الحجاج في هذا الموقف مشتغلين بالذكر والدعاء والتضرع إلى أن تغرب الشمس .
مسألة>