إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
السراج الوهاج للمعتمر والحاج
48396 مشاهدة
صفة التلبية ومواضعها

بعد أن يلبس المسلم لباس الإحرام، ينوي بقلبه فيقول: (لبيك عمرة)، أو (لبيك حجا)، أو (لبيك حجا وعمرة)، وينوي بهذه التلبية الدخول في النسك الذي اختاره، كما ينوي أيضا التقرُّب إلى الله بهذه التلبية التي معناها التزام الطاعة.
وبعد أن ينوي الدخول في النسك فإنه يبدأ بالتلبية فيقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك .
وقد روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال .
والإهلال هو: التلبية، والتلبية هي إجابة دعوة الخليل عليه السلام كما قال الله تعالى: وأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ (سورة الحج ، الآية:27) فقد روي أن إبراهيم عليه السلام صعد على جبل أبي قبيس فنادى: أيها الناس: إن الله كتب عليكم الحج فحجوا . ومعنى قوله: (لبيك) أي: أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة، فالتلبية هي: الملازمة والتمسك بالشيء ، فالملبي كأنه يعاهد ربه أنه لا يخرج عن طاعته ، وأن يستقيم عليها، وأنه مقيم عليها إقامة مستمرة لا يفارقها قيد شعرة وليس بعدها تحول ؛ سواءٌ كان في تلك الحالة التي هي الإحرام، أو فيما بعده.
كذلك تشتمل التلبية على العقيدة ، والتوحيد، فإن قوله: لبيك لا شريك لك لبيك تكرار لهذه التلبية، وشهادة منه بأن ربه تعالى متفرد بالوحدانية ، ليس له شريك في استحقاق هذه العبادة، واعتراف منه بأنه المستحق لذلك، والمستحق للحمد والثناء.
وفي قوله: إن الحمد والنعمة لك والملك الحمد هو: ذكر محاسن المحمود، والنعمة هي: إنعامه على الخلق.
وهكذا قوله: (لا شريك لك) أي: منك وحدك يا رب، ونحن معترفون بذلك، إنه لا شريك لك.
وصفة التلبية النبوية أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يكرر قوله: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك ، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- سمع من صحابته تلبيات أخرى ولم ينكر عليهم، فكان بعضهم يقول: لبيك حقا حقا تعبدا ورقا ، وبعضهم يقول: لبيك وسعديك والخير كله بيديك، والشر ليس إليك نحن عبادك الوافدون إليك، الراغبون فيما لديك . وبعضهم يقول: لبيك والرغباء إليك والعمل . وبعضهم يقول: لبيك إن العيش عيش الآخرة . والكل جائز، وذلك لأن هذه التلبية إجابة لنداء الله سبحانه وتعالى، والتزام بطاعته، فهي شعار خاص بالمتلبس بنسك حج أو نسك عمرة.
ويجوز أن يلبي غير المحرم، ولكن الأصل أنها أصبحت شعارا للمحرم.
ويسن للرجال أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية، أما النساء فإنهن يخفضن أصواتهن فلا يسمعها أحد إلا من كان بجانبها من رفيقاتها.
وقد ابتدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتلبية من حين أحرم، ولم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة في يوم العيد، فعند ذلك قطع التلبية لأنه شرع في أسباب التحلل، وهكذا الذي يحرم بعمرة يلبي إلى أن يبدأ بالطواف ، فإنه يقطع التلبية لأنه بدأ بأسباب التحلل.
ويندب أن يكثر الحاج من التلبية لأنها ذكر وهي شعار الحجاج ، وهي تتأكد في عشرة مواضع: الموضع الأول: إذا عقد الإحرام ودخل في النسك رفع صوته بالتلبية.
الموضع الثاني: إذا ركب دابته أو سيارته أو نحو ذلك، فإنه يكون قد انتقل من حال إلى حال.
الموضع الثالث: إذا نزل من دابته أو من سيارته على الأرض لسبب أو لغرض، فإنه يجدد هذه التلبية.
الموضع الرابع: إذا صعد نشزا أي مكانا مرتفعا، كأن ترتفع به دابته أو سيارته فإنه يجدد هذه التلبية.
الموضع الخامس: إذا هبط منخفضا أو واديا، أو نحو ذلك، فإنه يلبي.
الموضع السادس: إذا أقبل الليل ؛ سواء كان في مكة أو منى أو ليلة عرفة أو في غيرها، فإن إقبال الليل يكون تجدد حال فلهذا يجدد هذه التلبية.
الموضع السابع: عند إقبال النهار تجدد هذه التلبية أيضا.
الموضع الثامن: إذا سمع من يلبي، فإنه يتذكر بذلك هذه التلبية فيلبي.
الموضع التاسع: إذا فعل محظورا من محظورات الإحرام ناسيا، أو لحاجة، أو نحو ذلك، فإنه يجدد التلبية.
الموضع العاشر: إذا تلاقت الرفاق تذكروا إحرامهم فلبى كل منهم. وهكذا .. يجدد التلبية أيضا بعد الصلاة المكتوبة في عرفة وفي مزدلفة وفي منى وغير ذلك، فكلما صلى صلاة مكتوبة جدد هذه التلبية.
وقد عرفنا أن هذه التلبية هي معاهدة من العبد لربه، فإذا لبى فليستحضر هذه المعاهدة، وليعقد قلبه عليها، حتى يكون صادقا ، ويكون حجه مقبولا مبرورا.