السراج الوهاج للمعتمر والحاج
البيت العتيق
الحج كما ذكرنا ركنٌ من أركان الإسلام، وقد كان معمولا به في الشرائع السابقة، فقد ذكر المؤرخون أن الله -تعالى- أنزل هذا البيت العتيق اسم> لآدم اسم> -عليه السلام- لما هبط إلى الأرض، فأحب أن يكون له موضع يقصده، ويتعبّد فيه، ويطوف به كما تطوف الملائكة بالبيت المعمور اسم> فعند ذلك جعل الله له هذا البيت العتيق اسم> ليتعبد فيه، ثم أخبر -عليه الصلاة والسلام- بأن الأنبياء قد قصدوه، فقصده نوح اسم> وهود اسم> وصالح اسم> وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام، وذكر -صلى الله عليه وسلم- أنهم توجهوا إليه، يُلبُّون على رواحلهم قاصدين أداء المناسك في تلك المشاعر المفضلة.
وهكذا استمروا، ولكن مع توالي السنين انهدم البيت اسم> وبقي مكانه مرتفعا، حتى جدده إبراهيم اسم> وإسماعيل اسم> عليهما السلام، قال الله -تعالى- رسم> وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ قرآن> رسم> (الحج ،الآية:26) آية> ؛ يعني أخبرناه بموضعه الذي كان موجودا فيه حتى يعيد بناءه، فأعاده هو وإسماعيل اسم> عليهما السلام، قال الله -تعالى- رسم> وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ قرآن> رسم> (البقرة ، الآية:125) آية> .
وأخبر بأنه أقامه هو وابنه إسماعيل اسم> -عليهما السلام- في قوله -تعالى- رسم> وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا قرآن> رسم> (البقرة، ألآية:127) آية> .
هكذا جدده إبراهيم اسم> وإسماعيل اسم> -عليهما السلام- وبقي مقصودا تعترف به العرب، بل وتعدُّه فخرها وعزّها وذخرها، ويأتون إليه من أماكن بعيدة، يؤدون فيه المناسك، فيطوفون؛ ويسعون ويعتمرون، ويحجون ويذهبون إلى المناسك والمشاعر التي حوله، ويرجعون وقد تزودوا بما تزودوا به من الأعمال.
لكن مع توالي الجهل و مرور السنين أحدثوا فيه أحداثا، وجعلوا فيه بدعا ومنكرات ليست من الدين، والذي حملهم على ذلك جهلهم؛ فكان ولا بد أن يكون هناك من يجدد هذه المشاعر، فبعث الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- وحج بالناس في سنة عشر، وأعاد المناسك إلى ما كانت عليه في عهد أبيه إبراهيم اسم> وإسماعيل اسم> -عليهما السلام- وردّ كل المحدثات التي أقامها المشركون، سواء كانت قولية أم فعلية، وعاد الناس إلى معرفة الأحكام، ومعرفة ما عليهم، وهو الذي بقي -والحمد لله- إلى هذا الزمان.
وقد أظهر الله -تعالى- حرمة مكة اسم> وقداستها، ونهى المشركين أن يدخلوها، ونهى المؤمنين أن يُمكِّنوا المشركين من دخولها، قال الله -تعالى- رسم> يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا قرآن> رسم> (سورة التوبة، الآية:28) آية> ، وقد امتثل المسلمون لذلك إلى زماننا هذا، فلا يجوز لأيِّ كافر أو مشرك أن يدخل مكة اسم> .
وهكذا بقيت مكة اسم> -والحمد لله- مصونة ومحفوظة من المشركين، لا يدخلها إلا الموحدون المسلمون؛ و ذلك لأنها البقعة المباركة المشرفة التي لها فضلها، و بها المسجد الحرام الذي أخبر الله بفضله، وسماه بهذا الاسم، فقال -تعالى- رسم> لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ قرآن> رسم> (سورة الفتح ، الآية :28) آية> .
وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقدسية ذلك المسجد وبأهميته، فقال -صلى الله عليه وسلم- رسم> فضل الصلاة في المسجد الحرام اسم> على غيره مئة ألف صلاة، وفي مسجدي ألف صلاة، وفي مسجد بيت المقدس اسم> خمس مئة صلاة رسم> .
فأخبر بفضل هذه المساجد الثلاثة، فالصلاة في المسجد الأقصى اسم> بخمسمائة، والمسجد النبوي اسم> بألف، والمسجد الحرام اسم> بمائة ألف.
والصلاة الواحدة تعدل هذا الفضل! وما ذاك إلا لشرف المكان وَقِدَمِ العبادة، ولأنه قبلة المسلمين الذين يهوون إليه في كل زمان ومكان.
فلما كانت هذه مكانته كان مخصوصا لأن يكون محلا لأداء المناسك والعبادات؛ فالحجُّ لا يكون إلا إلى مكة، اسم> والعمرة لا تكون إلا إلى مكة، اسم> ولا يكون الطواف إلا بالبيت، اسم> فلا توجد بقعة أو تربة يجوز أن يُطاف بها إلا البيت العتيق، اسم> ومن هنا أهميته ومكانته.
مسألة>