الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
السراج الوهاج للمعتمر والحاج
47624 مشاهدة
قبل الرحيل

يجب على الحاج قبل السفر والرحيل إلى تلك الديار المقدسة أن يأتي بأمور تكون مكملة لحجه وعمرته، وحتى تكون سببا في قبول العمل بإذن الله -تعالى- ومن ذلك:
1. الاستخارة والاستشارة: فلا خاب من استخار، ولا ندم من استشار، فيستخير الله في الوقت والراحلة والرفيق، وجهة الطريق إن كثرت الطرق، ثم يستشير أهل الخبرة والصلاح، وصفة الاستخارة: أن يصلي ركعتين، ثم يدعو بالدعاء الوارد، في كتب الأذكار والأدعية
2. إخلاص النية لله -تعالى- فيجب على الحاج أن يقصد بحجه وعمرته وجه الله والدار الآخرة؛ لتكون أعماله وأقواله ونفقاته مقربة إلى الله تعالى، قال -صلى الله عليه وسلم- إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى وعلى الحاج أن يحذر كل الحذر من أن يقصد بحجه الدنيا وحطامها، أو الرياء والسمعة والمفاخرة بذلك؛ لأن ذلك مما يحبط العمل والعياذ بالله، قال -تعالى- مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (سورة هود الآية:15-16).
3. تعلم أحكام الحج والعمرة وما يتعلق بهما: فيجب على الحاج معرفة الأحكام المتعلقة بهذا الركن العظيم، فيتعلم شروطه وواجباته وأركانه وسننه، حتى يعبد الله على بصيرة، وحتى لا يقع في الأخطاء التي قد تفسد عليه حجه، وقد كتب العلماء قديما وحديثا في هذا الموضوع فعلى الحاج أن يقرأها، ويسأل العلماء والمشايخ عما أشكل عليه في حجه أو عمرته.
4. توفير المؤونة لأهله، والوصية لهم بالتقوى:
فينبغي على كل من عزم على السفر لحج أو لعمرة، أو لغيره من الأمور، أن يوفر لأهله، ومن تجب عليه نفقتهم، ما يحتاجون إليه من المال والطعام والشراب وغير ذلك؛ حتى لا يتركهم عالة على الناس، فقد يحدث لأبنائه أو والديه أو زوجه مكروه، وليس عندهم المال؛ فيقعوا في الحرج، ويمدوا أيديهم للناس.
ثم أمر آخر وهو وصيتهم بالتقوى، والتقوى معناها: فعل ما به أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر.
والتقوى خير زاد للمسلم في حلِّه وترحاله: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (سورة البقرة ، الآية :197)
5. التوبة من جميع الذنوب والمعاصي: قال -تعالى- وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (سورة النور ، الآية :31)
وحقيقة التوبة:
- الإقلاع عن جميع الذنوب والمعاصي وتركها.
- والندم على فعل ما مضى.
- والعزيمة على عدم العودة إليها.
- وإذا كان عنده مظالم للناس ردّها وتحللهم منها، سواء كانت عرضا أو مالا أو غير ذلك.
6. اختيار النفقة الحلال: التي تكونت من الكسب الطيب، حتى لا يكون في حجه شيءٌ من الإثم، فإن الذي يحج وكسبُه مشتبه فيه قد لا يُقبل حجُّه، وقد يكون مقبولا، ولكنه آثم من جهة، ففي الحديث المشهور الذي يقول فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج الحاج حاجا بنفقة طيبة، ووضع رجله في الغرز، فنادى: لبيك اللهم لبيك؛ ناداه منادٍ من السماء: لبيك وسعديك، زادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور، وإذا خرج بالنفقة الحرام الخبيثة، ووضع رجله في الغَرْز، فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه منادٍ من السماء: لا لبيك ولا سعديك، حرام، وراحلتك حرام، وحجك مأزور غير مبرور .
وهكذا -كما ورد في هذا الحديث- يخاف الإنسان أن يكون حجه مأزورا، فيدعو الله أن يقبل حجّه، فيقول: اللهم اجعله حجا مبرورا، وذنبا مغفورا، وعملا صالحا مقبولا.
وإذا كان كذلك فإن عليه أن يأتي بالأسباب التي تجعل حجه مبرورا، وسعيه مشكورا، وذنبه مغفورا، وعمله صالحا مقبولا، ومن هذه الأسباب: الكسب الحلال، والنفقة الطيبة التي هي من الكسب الطيب، ولا يقبل الله إلا الكسب الطيب.
وقد ذهب بعضهم إلى أنه لا يُقْبلُ حجُّ من تزود بمال حرام، حتى قال بعضهم:
إذا حججت بمال أصله سُحُت فما حججت ولكن حجت العيـر
لا يقبل الله إلا كل صالحــة ما كل من حج بيت الله مبـرور
7. اختيار الصحبة الصالحة: فإنك إذا اخترت رفقة من الصالحين لا شك أنك تستفيد منهم، وتربح ربحا كبيرا في الدنيا والآخرة، أي: إذا كانت رفقتك وصحبتك الذين ترافقهم -ولو كانت المسافة قصيرة- من الصالحين فإنَّك تستفيد منهم؛ يذكرونك إذا نسيت، ويعلمونك ما جهلت، ويعاونونك على ما عجزت عنه، وينشطونك على نوافل العبادة، ويساعدونك على ما قد تغفل عنه إذا كنت وحدك، فكثيرا ما يغفل الإنسان عن كثير من السنن ونوافل العبادة، وكثيرا ما يتكاسل عنها.
وهكذا إذا كان مع أُناس جهلة، فإنَّه كثيرا ما يقع منهم شيء من المخالفات، ولا يعرفون أنه خالف للسنة، فإذا كانت الرفقة من شباب متحمس من أهل المعرفة، ومن طلبة العلم، الذين معهم علم وزهد وورع ومحبة للعبادة ورغبة في الاستكثار منها، فهؤلاء هم الذين يُستفاد من صحبتهم.
8. أدعية وآداب السفر: للسفر آداب وأدعية خاصة يجب على المسافر للحج وغيره أن يتعلمها، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر، كبر ثلاثا، ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا وطْوعنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل رواه مسلم. ومن آداب السفر:
التكبير إذا صعد المسافر الثنايا، والتسبيح إذا هبط واديا، ونحوه.

يستحب إذا نزل منزلا أن يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه.
استحباب السفر في يوم الخميس أول النهار.
والآداب كثيرة ونكتفي بهذا حتى لا يطول بنا المقام.