السراج الوهاج للمعتمر والحاج
رمي الجمار قبل الزوال في اليوم الثاني عشر
وسُئِلَ حفظه الله:
نسب إليكم فتوى في جواز رمي الجمار (قبل الزوال) لمن أراد التعجل في اليوم الثاني عشر أي: ثاني أيام التشريق ؟ وقد نشرت في جريدة المسلمون؟ فهل هذا صحيح وما هو دليلكم في ذلك؟ سؤال> رأس>
فأجاب:
اتصل بنا صاحب الجريدة المذكورة هاتفيا، وذكر ما حصل في الحج الماضي (عام 1414هـ) من الوفيات، وسأل هل من رخصة في تقديم الرمي ؟.
فذكرت له أن هناك قولا لأبي حنيفة اسم> ورواية عن الإمام أحمد اسم> بجواز الرمي قبل الزوال للمتعجِّل، حيث ذكر ذلك صاحب المغني، والزركشي اسم> في شرح مختصر الخِرْقي اسم> وصاحب الإنصاف، ولكن صاحب الجريدة تجرأ ونسب الفتوى إليَّ بخط بارز، ومعروف أن أصحاب الصحف يبالغون في نشر مثل هذا، فجعلوا العنوان كبيرا كما قرأتموه، أو قرأه بعضكم، وهم بذلك يريدون لفت الأنظار، مع أني إنما حكيت الرواية التي ذكرها في المغني وغيره، ولم أفصح أنني أختاره، إنَّما أقول أنه جائز للضرورة، عندما يخاف الإنسان على نفسه، وهذا القول لمن أراد التعجل، أما الذي لا يريد التعجل فليس له أن يرمي إلاّ بعد الزوال.
وبكل حال فالأصل أن وقت الرمي في أيام التشريق بعد زوال الشمس، كما ثبت في الحديث عن ابن عمر اسم> وجابر اسم> وعائشة اسم> وغيرهم، وهو قول الأئمة كلهم، ذكره ابن قدامة اسم> كما في المغني مع الشرح (3-476)، لكنه ذكر أن إسحاق بن راهويه اسم> وأصحاب الرأي، وهم الحنفية، رخصوا في الرمي يوم النفر قبل الزوال، ولا ينفر إلاَّ بعد الزوال، وعن أحمد اسم> مثله، ورخص عكرمة اسم> في ذلك أيضا، وقال طاووس اسم> يرمي قبل الزوال ، وينفر قبله… إلخ.
وهكذا ذكر في الشرح الكبير في نفس الصفحة: وقال الزركشي اسم> في شرحه على مختصر الخِرَقي اسم> (3-279): والرواية الثانية إن رمى في اليوم الآخر قبل الزوال أجزأه، ولا ينفر إلاَّ بعد الزوال (والثالثة) كالثانية إلا أنه إن نفر قبل الزوال لا شيء عليه، قال في رواية ابن منصور اسم> إذا رمى عند طلوع الشمس في النفر الأول ثم كأنه لم ير عليه دما اهـ.
وذكر القرطبي اسم> في تفسيره لقوله تعالى: رسم> فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ قرآن> رسم> (سورة البقرة ، الآية:203) آية> (3-9) ، عن عطاء اسم> أنه سمعه يذكر أنه رخص للرعاء أن يرموا بالليل في الزمن الأول، وذكر أنه روي مرفوعا عند الدارقطني اسم> وغيره، وعلله بأنه أرفق بهم وأحوط فيما يحاولونه من رعي الإبل.
وقال مالك اسم> إذا تركه نهارا رماه ليلا، وعليه دم في رواية ابن القاسم اسم> ولم يذكر في الموطأ أن عليه دما.
وقال الشافعي اسم> وأبو ثور اسم> ويعقوب اسم> ومحمد إذا نسي الرمي حتى أمسى يرمي ولا دم عليه، وكان الحسن البصري اسم> يرخص في رمي الجمار ليلا، وقال أبو حنيفة اسم> يرمي ولا شيء عليه.
ويمكن أن يستدل على تقديم الرمي يوم النفر الأول بظاهر قوله تعالى: رسم> فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ قرآن> رسم> حيث إن اليوم يعم أول النهار وآخره.
وبعد هذا التفصيل وذكر الأقوال أقول:
أنه في هذا الزمان وخاصة ما حدث في الحج الماضي كما تعرفون من الزحام الشديد، مما أدَّى إلى الوفيات، وقد ذكر بعضهم أن من أسباب هذا الزحام هو: أن كثيرا من المطوفين يؤكدون على الحجاج التابعين لهم بأن يأتوا إليهم في المكان الفلاني في الساعة الثانية بعد الظهر مثلا، ومن لم يأت فإننا سوف نسير ونتركه، ومن المعلوم أن هؤلاء المطوفين معهم أعداد كبيرة من الحجاج تصل إلى مئات الألوف فيضطر هؤلاء كلهم إلى التجمع عند الجمرة قبل الزوال ، حتى إذا كان الزوال رموا جميعا ليتمكنوا من الوصول إلى مطوفيهم في الموعد المحدد، وهنا يحدث الزحام الشديد عند الرمي وفي طريقهم ذهابا وإيابا، وبعدها يذهبون لطواف الوداع، ثم يرجعون إلى المكان الذي وعدوا فيه، وقد لا يقدرون على ذلك في ساعتين، فلأجل ذلك يحتشدون بهذه الأعداد الكبيرة في وقت واحد ثم لا تسأل عما يحدث بعدها من الوفيات الكثيرة.
وكان الأولى لهؤلاء المطوفين ألا يشددوا هذا التشديد على حجاجهم، وعليهم أن يرفقوا بهم، وينتظروهم ولو تأخروا إلى الساعة الثالثة أو الرابعة ، أو الخامسة مثلا حتى يتكاملوا وحتى لا يتكلفوا ويضطروا بأن يرموا جميعهم في الساعة الثانية عشر والنصف في لحظة واحدة، ويحدث من المشاكل والوفيات مثل ما حدث ويحدث كل عام.
ولو ذهبت إلى الجمرات عند الساعة الثانية ونحوها لوجدت المكان خاليا أو خفيفا من الزحام لأن الكل أو الأغلب قد رموا وخرجوا.
ولن يكون لهذه المسألة حل إلاَّ بأحد أمرين:
الأول: إما التوسعة والرخصة في الرمي للمضطر قبل الزوال بساعة أو ساعتين ولو لم يخرج إلا بعد الزوال.
الثانية: أو يلاحظ على المطوفين أن لا يشددوا على حجاجهم هذا التشديد، ويجب على وزارة الحج أن تأخذ على أيديهم وتعمل لهم برنامجا ينظمهم حتى يتفادوا الأخطار، والوقوع في الأخطاء، والله أعلم.
مسألة>