إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
محاضرات في شرح نواقض الإسلام وكتاب الجنائز من صحيح البخاري
34470 مشاهدة
الناقض الخامس: من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به

من نواقض الإسلام الخامس: من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به فقد كفر ، الواجب أن المسلم يتقبل كل ما جاء عن الله تعالى ، وكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم يتقبله، ويدين به، ويعترف بأنه حق وصواب، وبأنه عين المصلحة، وأن الإنسان إذا دان به فله الخير وله النصر، وله السعادة في الدنيا والآخرة، فإذا اطمأن الإنسان إلى أن شرع الله تعالى هو الشرع الشريف، وأنه الذي فيه النصر والرزق، فإنه يعترف به، ويعتبره الدين الصحيح، ويعمل بتعاليمه.
ويجب الاعتقاد بأن الله تعالى ما أمر بشيء إلا وهو عين المصلحة ، وفعله فيه خير، ولا نهى عن شيء إلا وفيه مضرة، وفي فعله شر، وفي فعله ضرر، يعتقد ذلك.
ويعتقد أن غير شرع الله تعالى لا يقوم مقام شرعه، بل إنه يعتبر الذين يدينون به في خسار ودمار، ولو حصل لهم تقدم في زمن من الأزمان، ولو حصلت لهم منافع وقوة، ولكن مآلهم إلى الفشل، مآلهم إلى الخسار، هكذا يجب عليه.
أما إذا أبغض شيئا مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يعتبر ما تقبل الشريعة، إذا قال: إن فرضية هذه الصلاة تشغل الناس عن أعمالهم، هذا يعتبر اعتراض على الله تعالى، ينقل هذا عن كثير، كثير من العمال، ومن أهل الحرف إذا جاءهم الهيئات، وأغلقوا متاجرهم أو ورشهم، وساقوهم إلى الصلاة، أخذوا يعترضون على الشرع، فيقولون: هذه الصلاة تعوقنا عن العمل، تعوقنا عن الكسب، ليتها ما فرضت، هذا فرضها صار شغلا شاغلا عن كسبنا، وعن حرفنا، وعن عملنا، ويغبطون الذين لا يصلون، فيقول أحدهم: إن هذا الذي اشتغل ونحن ذهبنا نصلي اكتسب كذا وكذا، هذا الخباز الذي يخبز ونحن نصلي عمل كذا وكذا، وباع بعشرة أو بعشرين، ونحن في نفس الصلاة، فهذا أربح منا، وما أشبه ذلك من أقوالهم.
أو كذلك البخلاء الذين يقولون: لماذا فرض الله هذه الزكاة في أموالنا لهؤلاء الكسالى الفقراء؟ نحن الذين نسعى ونكتسب، ونعمل ونتعب، وهم يأخذون من أموالنا شيئا بدون تعب، هذا هو الظلم، يعتقدون أنها مظلمة، وأن الله فرضها عليهم، وأنهم مظلومون بفعلها، وأن هؤلاء يأخذون ما لا يستحقونه هؤلاء الفقراء.
وكذلك أيضا قد يصومون ويصلون ويزكون، ولكن يعترضون على الشرع في هذه الفرائض، فيقولون: إن هذا خطأ، وإن فرضيتها ليست صوابا، وأن فيها أضرارا، وفيها مشاغل، وما أشبه ذلك.
وكذلك الذين يعترضون على المحرمات، فيقولون: لماذا حرم الربا؟ أليس من الكسب؟ أليس حصل برضا بين الطرفين؟ تحريمه يعتبرونه خطأ -تعالى الله- حكى الله تعالى ذلك عن المشركين الأولين، قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فأحل الله تعالى البيع الذي تمت فيه الشروط، وحرم الربا، فهؤلاء يعترضون على الله، ويدعون أن تحريمه خطأ.
وكذلك الذين يقولون: لماذا حرم الزنا، وأشباهه؟ ولماذا حرمت الخمر؟ وهي شراب طيب في نظرهم، فيعترضون على الله، ويدعون أنه شرع ما لا مصلحة فيه، أو ما فيه مضرة، ومنع الناس عما فيه منفعة.
لو تأملوا لعرفوا الحكم والمصالح، فأولا: أن هؤلاء عبيد الدنيا، لم يتعبدوا لربهم، ولم يدينوا له بالعبادة الصحيحة، فيقال: أنتم ما فهمتم ما خلقتم له، ألستم خلق الله؟ لماذا خلقكم؟ خلقكم لعبادته، وإنما أباح لكم أن تتكسبوا في الأوقات التي عندكم فيها فراغ، فأباح ذلك لكم، فأما أن تعترضوا على الله تعالى في شرعه للعبادات، أو في تحريمه للمحرمات، فإنكم تعتبرون كفرة بهذا.
لا شك أنك إذا تأملت أحكام الله تعالى وجدتها في غاية المصلحة، تكلم العلماء في حكم الصلاة، والحكمة فيها، وحكم صلاة الجماعة، ولماذا فرضت؟ وحكم أداء الزكاة، ولماذا فرضت؟ ما يترتب عليها من المصالح، ما يترتب على الصيام، والحج، والجهاد والقتال، ونحوها من المصالح العظيمة، التي لا يقوم غيرها مقامها، كذلك أيضا المفاسد التي تترتب على المحرمات التي تترتب على الزنا، وعلى الخمر، وما أشبه ذلك.
فنقول لهم: إن اعتراضكم على الشرع يعتبر اعتراضا على الله تعالى، وإنه دليل نقص العقول، دليل على أنكم لم تتأملوا، ولم تتفكروا في المصالح التي رتبت عليها هذه العبادة التي تحصل لمن حافظ عليها.
تكلم العلماء على أمثلة لذلك، فلما كثر الاعتراض من هؤلاء العصريين فإن بعض مشائخنا رحمهم الله ووفقهم بينوا الكثير من المصالح التي في العبادات، مثل: كتاب السلسبيل للشيخ صالح البليهي رحمه الله كلما أتى على باب غالبا ذكر فيه ما يترتب على ذلك من المصالح، وما يترتب على تركه من المفاسد، وكذلك أيضا تيسير العلام للشيخ ابن بسام شرح العمدة أيضا وفقه الله يذكر الكثير من المصالح التي شرعت لأجلها تلك العبادات.
وذلك رد على هؤلاء الذين يبغضون ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: نحن نعمل به، فنقول لهم: اعتراضكم على الله يبطل عملكم، ولو قمتم الليل، ولو صمتم النهار، ولو تصدقتم بنصف الأموال، إذا كنتم تعترضون على الله في شرعه فكأنكم تنتقدون شرع الله تعالى، وذلك والعياذ بالله كفر وضلال.
نكتفي بهذا، ننبه أن هناك أيضا درس في الصباح في هذه النواقض بعد الفجر إن شاء الله ودرس بعد العصر، ولكن سنؤخره إلى نحو الساعة الخامسة والربع أو الثلث؛ لأن عندنا تسجيل على الهاتف بعد العصر إلى نحو الساعة الخامسة والربع، ونبدأ في الساعة الخامسة والنصف أو قبلها بقليل إلى آخر الوقت إن شاء الله لعلنا نكملها هنا، بقي إلا خمسة، والله أعلم، والآن نقرأ في صحيح البخاري .