التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الثاني
1- إثبات صفة النزول الإلهي إلى سماء الدنيا
[ فمن ذلك: مثل قوله صلى الله عليه وسلم: رسم> ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له؟ متن_ح> رسم> متفق عليه حديث> .]
هذا الحديث رواه جماعة من الصحابة وهو مُخَرَّج في الصحيحين، وهو من جملة الأحاديث التي ردها المعتزلة ولم يقبلوها، وقد ثبت ثبوتا لا مفر منه، وقد نقله الذين نقلوا الشريعة، ولهذا يقول أبو الخطاب اسم> في منظومته في العقيدة:
قالوا النزول فقلت ناقله لنا | قوم هم نقلوا شريعة أحمد |
الذين نقلوه هم الذين نقلوا الشريعة.
فنقول للمعتزلة وغيرهم: فإما أن تقبلوا الشريعة كلها، وإما أن تردوها كلها، أما كونكم تقبلون ما يوافق معتقداتكم وتردون الباقي، فهذا تفريق بين ما جمع الله بينه؛ تفريق بين متماثلين، فمن قبل البعض دون البعض أشبه اليهود فيما ذكر الله عنهم في قوله: رسم> أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ قرآن> رسم> [البقرة 85] آية> وفي قوله : رسم> وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا قرآن> رسم> [ النساء: 150]. آية>
لا شك أن هذا تفريق بين متماثلين؛ لكونهم يقبلون أحاديث هذا الصحابي في حالة ويردونها في حالة، أما أهل السنة والجماعة فإنهم يؤمنون بهذا الحديث، وأن الله تعالى ينزل نزولا يليق به، كما يؤمنون بالمجيء الذي ذكره الله، في قوله تعالى: رسم> وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا قرآن> رسم> [الفجر: 22] آية> وفي قوله: رسم> هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ قرآن> رسم> [البقرة: 210 ] آية> وفى قوله تعالى: رسم> هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ قرآن> رسم> [ الأنعام: 158 ] آية> ويقولون: إن نزوله ومجيئه وإتيانه كما يليق به، ولا يتكلفون وراء ذلك، ولا يتقعرون؛ لأن المعتزلة والجهمية ونحوهم أخذوا يتساءلون ويقولون: إذا نزل، فهل يخلو منه العرش أم لا، هل تكون السموات فوقه أم لا؟، نقول: لا حاجة لنا في التكلف ولا نسأل شيئًا وراء ذلك، بل نؤمن بما أخبر، والله تعالى ليس كمثله شيء في صفاته، وكذلك في أفعاله، والنزول من الأفعال، فنؤمن بذلك.
والرسول عليه الصلاة والسلام ذكر هذا الحديث؛ لِيُرَغِّبَ الأمة في الصلاة آخر الليل، وكان عليه الصلاة والسلام يداوم على الصلاة في الثلث الأخير من الليل؛ لأنه كان ينام مبكرا بعد العشاء مباشرة، ثم يقوم الثلث الأخير كله أو النصف الأخير كله للتهجد بالليل، وكذلك جملة مستكثرة من صحابته.
وهكذا المسلمون في أغلب الأوقات يقومون آخر الليل، يتحرون ذلك الوقت الذي فيه هذا التودد من ربهم، فيتعرضون لنفحاته، فالله تعالى يتودد إليهم يقول: رسم> من يدعوني فأستجيب له متن_ح> رسم> فيتقربون إليه بكثرة الدعاء ذلك الوقت، رسم> من يستغفرني فأغفر له متن_ح> رسم> فيبادرون بكثرة الاستغفار وكذلك بكثرة التوبة، وكذلك بالإنابة إليه.
فإنهم فهموا من الحديث أنه تعالى يحثهم على هذه الأعمال فصاروا يتحينون ذلك الوقت الذي هو آخر الليل؛ لأجل الصلاة والاستغفار والدعاء والتوبة وصدقها وما أشبه ذلك، هذا هو الذي فهموه، ولم يكونوا يوجهون أنظارهم ولا يتقعرون في البحث عن كيفية نزوله، كما تبحث في ذلك المعتزلة ونحوهم .
ويستدلون بذلك أيضًا على أن ربهم هو العلي الأعلى بقوله: ينزل، فالنزول لا يكون إلا من أعلى، ولكن لا يكيفون العلو بكيفية إلا أنه تعالى هو العلي بجميع أنواع العلو .
فالحاصل أن في هذا الحديث دليل على إثبات صفة العلو رأس> ودليل على إثبات صفة النزول الذي يعتقده المسلمون رأس> وأنه تعالى ليس كمثله شيء لا في علوه ولا ارتفاعه، حيث إن ذلك لا ينافي قربه واطلاعه ومعيته لخلقه، وكذلك نزوله، لا ينافي علوه على عرشه واستواءه عليه وما أشبه ذلك من صفاته .
هكذا يعتقد المسلمون، وكلما اعتقد المسلم الواعي هذه الصفات دله ذلك وحمله على أن يعظم ربه، فتقع آثارها في قلبه، فيكون من تأثيرها أن يعبده حق عبادته، وألا يعبده في وقت من الأوقات دون وقت، بل تكون عبادته دائمة في كل وقت فإن عمل المؤمن دائم ليس فيه انقطاع.
مسألة>