إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه logo الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
shape
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الثاني
66965 مشاهدة print word pdf
line-top
وجوب الإيمان برؤية أهل الموقف ربهم ورؤيته بعد دخول الجنة

[ وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان به وبكتبه وبملائكته وبرسله: الإيمان بأن المؤمنين يرونه يوم القيامة عيانا بأبصارهم كما يرون الشمس صحوا ليس دونها سحاب، وكما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته.
يرونه سبحانه وهم في عرصات القيامة، ثم يرونه بعد دخول الجنة، كما يشاء الله تعالى ] .


(الشرح) * قوله: (وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان به وبكتبه وبملائكته وبرسله: الإيمان بأن المؤمنين يرونه يوم القيامة عيانا بأبصارهم...):
يجب على المسلم أن يعتقد ما أخبر الله به، وما أخبر به رسوله صلى الله عليه و سلم من أمور الغيب، ومن أمور الدار الآخرة، ومما يكون بعد الموت وبعد البعث، وفي يوم القيامة سواء أدرك ذلك بعقله أو لم يدركه.
ومن ذلك الإيمان بأن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة ويرونه في الجنة، يدخل هذا في الإيمان بالله؛ لأنه من الإيمان بصفاته، ويدخل في الإيمان باليوم الآخر؟ لأنه يتعلق بما يحدث في يوم القيامة وما بعد يوم القيامة، ويدخل في الإيمان بكتب الله؛ لأنه مذكور في القرآن وفي الكتب السابقة، ويدخل في الإيمان بالرسل؛ لأنه مما بلغته رسل الله، وحق علينا أن نصدقهم فيما بلَّغوه.
نؤمن بأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة في عرصات القيامة كما يشاء، عندما ينزل الله تعالى لفصل القضاء بين عباده، وأنه يخلو بعبده، يقول صلى الله عليه وسلم : ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان ويخبر صلى الله عليه وسلم أن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة كما يرون الشمس صحوا ليس دونها سحاب، وكما يرون القمر ليلة البدر، لا يضامون في رؤيته ؛ يعني لا يلحقهم ضيم في رؤيته.
أما في الدنيا فلا يقدر أحد البشر على أن يرى ربه، ولا يتمكن من ذلك لعظمة الله تعالى، ولضعف خلقة الإنسان، فإن موسى عليه السلام طلب الرؤية من الله، فأخبره بأنه لا يقدر على ذلك، حكى الله عنه أنه قال: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي يعني لا تقدر على رؤيتي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا [الأعراف: 143 ] فأخبره بأن الجبل ما صمد لرؤيته وهو جبل شامخ أصم عظيم، بل اندك لهيبة الله تعالى لما تجلى فكيف بالإنسان الضعيف؟
أما في يوم القيامة وفي الدار الآخرة فيقوي الله بنية هذا الإنسان، ويثبته فيزيده قوة، فيثبت لرؤية الله تعالى ويتمكن من رؤيته كما يشاء.
فحينما يتجلى الله تعالى لعباده لفصل القضاء عندما ينزل يحاسبهم، فقيل: إنه يراه أهل الموقف كلهم مؤمنهم وكافرهم، وقيل: لا يراه إلا المؤمنون.
ولعل الصواب أنه في القيامة يراه كل الخلق وفي الجنة يحتجب عن الكفار ويراه المؤمنون لقوله تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [ المطففين: 15 ] يعني الكفار، وهذا دليل على أن المؤمنين غير محجوبين.
أما رؤيته في الموقف، فقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله تعالى: لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ومن كان يعبد القمر القمر، ومن كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة، فيأتيهم ربهم في صورة غير الصورة التي رأوه فيها فيقول: أنا ربكم، فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فيكشف عن ساق، فإذا رأوه عرفوه فخروا سجدا إلا من كان منافقا فلا يقدر على السجود يقول الله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ [ القلم:42، 43 ] فأخبر بأنه عندما يتجلى الله لهم ويكشف عن ساق يسجد كل المؤمنون ويخرون لله سجدا.
أما المنافقون وكذلك العصاة الذين لا يصلون في الدنيا، فإنهم لا يقدرون على السجود، كلما أراد أحدهم أن يسجد خر لقفاه، وصارت ظهورهم كصياصي البقر، لا يتمكنون من السجود؛ لأنهم كانوا يدعون في الدنيا إلى السجود وهم سالمون فلا يجيبون، يدعون إلى السجود يعني إلى الصلاة، ويسمعون المنادي وهو يقول: حي على الصلاة التي فيها السجود ومع ذلك فلا يأتون وهم سالمون، فهنالك لا يستطيعون أن يسجدوا.
وهذا دليل على أن المؤمنين يسجدون إذا رأوا ربهم، وأن المنافقين والعصاة ونحوهم من الذين يتركون الصلاة في الدنيا لا يستطيعون السجود. أما إذا دخل أهل الجنة الجنة، فإنهم يرون ربهم، ففيهم من يرى ربه بكرة وعشيا، ومنهم من يراه كل أسبوع، فأعلاهم من ينظر إلى ربه بكرة وعشيا؛ ولهذا ورد في الحديث: إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، فإن استطعتم ألا تُغْلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا يعني على صلاة الفجر وصلاة العصر، إذا استطعتم ألا تغلبكم النفس على هاتين الصلاتين، فحافظوا عليهما، فإن فيهما وقت النظر إلى الله تعالى في الآخرة.
كذلك أيضا وردت أحاديث في فضل يوم الجمعة وتسميته يوم المزيد فيوم الجمعة كما له فضل عظيم في الدنيا فكذلك فضله في الآخرة عظيم، وهذا مع أنه ليس في الآخرة نهار ولا ليل، فيزور فيه المؤمنون ربهم، ويتجلى لهم، وإذا تجلى لهم نسوا ما كانوا فيه من النعيم فلا يلتفتون إلى شيء من نعيمهم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم، وذلك غاية سرورهم وغاية بهجتهم، وكمال نعيمهم.
يرونه كما يشاء، فيؤمن المؤمنون بذلك لكثرة ما ورد فيه من الأحاديث التي ليس لها مدفع، ويصدقون بأنهم يرونه كما يشاء، ولكن لا يخوضون في كيفية الرؤية، فتكون الرؤية إلى وجه ربهم كما يشاء؛ لقوله في الحديث عن أبي موسى: جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن . فأخبر بأنه متى كشف رداء الكبرياء عن وجهه نظروا إليه كما يشاء، فيقويهم ويزيدهم قوة يثبتون بها لرؤية الله تعالى.
فهذا ونحوه دليل على أن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة كما يشاء، وقد دل على ذلك قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة: 22، 23] يعني معاينة إلي ربها، فتلك الوجوه صارت بالنظر إلى الله مبتهجة مسرورة نضرة فرحة مستبشرة، وذلك تمام نعيمها.
ولهذا النعيم أسباب يحصل عليها المؤمن ما دام في الدنيا فمن ذلك:
محافظته على العبادات ومن أهمها الصلاة.
وكذلك المحافظة على هيئة العبادة، كهيئة الصلاة وجماعتها، والحفاظ عليها في المساجد ونحو ذلك.
وهكذا الحفاظ على تكميل الإيمان والبعد عن المعاصي التي تُخِلُّ بالإيمان أو تُنْقِص ثواب التوحيد، فإذا كان الإنسان كذلك، وآمن بالله وبما جاء عن الله، رجي بذلك أن يحصل له هذا الثواب.

line-bottom