التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الثاني
1- الإيمان بفتنة وعذاب القبر
[فصل: ومن الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت رأس> فيؤمنون بفتنة القبر، وبعذاب القبر ونعيمه.
فأما الفتنة، فإن الناس يُفْتَنُون في قبورهم، فيقال للرجل: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟
فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فيقول المؤمن: الله ربي، والإسلام ديني ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيي.
وأما المرتاب فيقول: هاه هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته، فيضرب بمرزبة من حديد، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق.
ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذاب، إلى أن تقوم القيامة الكبرى، فتعاذ الأرواح إلى الأجساد] .
أولا : كيفية قبض الأرواح، من نزول الملائكة، إما ملائكة العذاب أو ملائكة النعيم، ومن استخراجهم للروح، وكيفية قبضها كما هو مذكور في الأحاديث.
ثانيا: عذاب القبر ونعيمه، وهو أن الميت يعذب في البرزخ أو ينعم، سواء قُبِرَ أم لم يُقْبَر، فإن كان من أهل الخير ناله النعيم والفرح والسرور، وإن كان من أهل الشر ناله العذاب والألم والحزن الشديد، ويبقى كذلك كل منهما في هذا البرزخ الذي هو بين الدنيا والآخرة.
ويؤمن المؤمنون بأن هذا البرزخ حاجز بين الدنيا والآخرة، وأن الإنسان بعد مفارقته للدنيا لا تنعدم روحه، أما بدنه فإنه ينعدم ويفنى، قد تأكله الأرض ويصير ترابا ورفاتا، وقد يحرق ويذرى ولا يبقى له بقية، ولكن روحه تبقى، وهي التي يكون عليها العذاب والنعيم، ويقدر الله أن يوصل إلى بدنه- ولو كان ترابا- ما يتألم به أو ما يتنعم به.
ويقسم العلماء اتصال الروح بالبدن إلى خمسة أقسام:
الاتصال الأول: اتصال في الرحم، فإذا كان الإنسان في الرحم فللروح به اتصال ولكنه ضعيف، ولهذا يتحرك الجنين في بطن أمه.
والاتصال الثاني: في الدنيا، وهو اتصال كامل مُشَاهد.
والاتصال الثالث: في النوم، فإن النائم قد تفارقه روحه، ولكن ليست مفارقة كلية.
والاتصال الرابع: في البرزخ أي بعد الموت، وهو نوع اتصال وإن كان غير مشاهد.
والاتصال الخامس: بعد البعث يعني في الآخرة، وهو أكملها وأقواها، وهو الذي لا يحصل بعده انفصال.
والأحكام في الدنيا تكون على الأبدان، ولكن الأرواح تابعة لها، والأحكام في البرزخ على الأرواح أصلاً، ولكن الأبدان تابعة لها، وأما الأحكام في الآخرة فإنها على الروح والبدن كليهما لكونهما قد اجتمعا اجتماعا كليا. فإذا مات الإنسان وخرجت روحه، بقيت إما معذبة وإما منعمة كما يشاء الله، إما في روضة من رياض الجنة، وإما في حفرة من حفر النار إلى أن يأذن الله بالبعث؛ والنشور- أي القيامة الكبرى-.
أما عذاب القبر ونعيمه فقد ورد مفصلاً في حديث البراء بن عازب اسم> الطويل الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم : رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
ثم ذكر ضد ذلك فقال: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b1.gif)
![حديث البراء بن عازب الطويل أخرجه أبو داود رقم (4753) كتاب السنة، وأحمد في المسند (4 / 287، 288، 295، 296)، والطيالسي في المسند رقم (753)، وهو حديث صحيح: صححه غير واحد من الأئمة كالذهبي وأبي نعيم وابن القيم وغيرهم.](/site/books.png)
فيؤمن المؤمنون بعذاب القبر ونعيمه، وأن القبر: إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار، وبأن عذاب القبر أو نعيمه حاصل ولا بد لكل إنسان، وبأنه سيناله ذلك، ولو لم يُقْبَر، ولو حرق، ولو أكلته السباع أو الطيور، فإنه لا بد أن يناله ذلك الألم أو ذلك النعيم؟ لأن حكم الآخرة غير حكم الدنيا، فالإنسان مُركب من جسد وروح، وهذه الروح بعد الموت عندما تخرج من الجسد، تبقى إما معذبة وإما منعمة، فأما الجسد فإنه كما هو مشاهد يفنى ويصير ترابا، ولكن لا يعجز الله شيء.
فالله تعالى قادر على أن يوصل إليه العذاب، حتى ولو كان ترابا، أو كان رفاتا، فليس هناك شيء يصعب على الرب: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
كان كثير من الصحابة رضي الله عنهم ومن السلف إذا كانوا عند القبور بكوا وقالوا: إن القبر أول منازل الآخرة
![ومن هؤلاء عثمان ذو النورين رضي الله عنه فقد روى هانئ مولاه قال: كان عثمان إذا وقف على قبر بكي حتى يبل لحيته. فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعد، أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه . </font><br> أخرجه الترمذي رقم (2308) في الزهد، وابن ماجه رقم (4267) في الزهد، وحسنه الألباني وهو في صحيح الجامع برقم (1684).](/site/books.png)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
فإن المراد: يثبتهم في حال البرزخ، والبرزخ هو هذه المدة التي بين الدنيا والآخرة، التي هي كفاصل وحاجز بين الدارين، فيكون فيها العباد وقتًا محدودًا، ثم بعدما يتكامل الأمر الذي قدَّره الله، وتنتقل الحياة، وينتهي خلق ما قدر الله أنه سيخلق، بعد ذلك ينفخ بأمر الله تعالى في الصور ثلاث نفخات.
النفخة الأولى التي هي للفزع، وهي المذكورة في قوله: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
ثم تعقبها نفخة أخرى وهي نفخة الصعق أو الموت المذكورة في قوله: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
ثم بعد ما يصعقون وتمضي عليهـم مدة، قيل: أربعون سنة أو نحوها، تكون النفخة الأخيرة، فيأمر الله تعالى الملك أن ينفخ في الصور نفخة البعث والقيام المذكورة في قوله: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
وقد فصلت الشريعة أمور الآخرة، وكذلك ورد في القرآن كثير من تفاصيل أمور الآخرة التي لم تكن موجودة في الكتب الأخرى، وذلك دليل على أهمية الإيمان باليوم الآخر وعظيم شأنه.
والعبد متى آمن بهذا استعد له، فمتى صدقت بأن هذا القبر إما نعيم وإما جحيم، حملك ذلك على أن تتأهب بالأعمال الصالحة وبالعقيدة السليمة، حتى تنجو من العذاب، وحتى تسلم منه، وحتى تظفر بالنعيم الذي هو مقدمة بين يدي نعيم الآخرة.
مسألة>