الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. logo إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
shape
شرح رسالة أبو زيد القيرواني
58769 مشاهدة print word pdf
line-top
اختصاص الله تعالى بالخلق والعلم بالغيب وأدلة ذلك من القرآن

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه، وهو أقرب إليه من حبل الوريد، وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى وعلى الملك احتوى، وله الأسماء الحسنى والصفات العلى، لم يزل بجميع صفاته وأسمائه تعالى أن تكون صفاته مخلوقة وأسماؤه محدثة، كلم موسى بكلامه الذي هو صفة ذاته، لا خلق من خلقه، وتجلى للجبل فصار دكًّا من جلاله، وأن القرآن كلام الله ليس بمخلوق فيبيد، ولا صفة لمخلوق فينفد، والإيمان بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، فرض وركن في الدين، وكل ذلك قد قدره الله ربنا، ومقادير الأمور بيده، ومصدرها عن قضائه، علم كل شئ قبل كونه فجرى على قدره.
لا يكون من عباده قول ولا عمل إلا وقد قضاه، وسبق علمه به: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ يضل من يشاء فيخذله بعدله، ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله، فكل ميسر بتيسيره إلى ما سبق من علمه وقدره، من شقي أو سعيد.
تعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد، أو يكون لأحد عنه غنى، أو يكون خالق لشيء إلا هو، رب العباد ورب أعمالهم، والمقدر لحركاتهم وآجالهم، الباعث الرسل إليهم لإقامة الحجة عليهم.
ثم ختم الرسالة والنذارة والنبوة بمحمد نبيه -صلى الله عليه وسلم- فجعله آخر المرسلين، بشيرًا ونذيرا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا وأنزل عليه كتابه الحكيم، وشرح به دينه القويم، وهدى به الصراط المستقيم، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وأن الله يبعث من يموت؛ كما بدأهم يعودون.


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المؤلف -رحمه الله- يأخذ هذه العبارات من كثير من الآيات القرآنية؛ وذلك لأنها هي المرجع، وليس لأحد أن يخالف الآيات، وما تدل عليه من الدلالات، وكذلك الأحاديث الصحيحة، فمنها تؤخذ العقيدة، ومنها يستدل على أمور الغيب.
فمن ذلك: أن الله تعالى هو الذي خلق الإنسان، تفرد بخلقه قال تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ .
جنس الإنسان الله هو الذي خلقه، وقال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ أي: ابتدأ خلق أبيكم من طين، وقال تعالى: الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى وقال: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ .
والآيات واضحة في أن الله تعالى هو الذي ابتدأ خلق الإنسان بعد أن لم يكن شيئًا مذكورا، خلقه على أحسن خلقة في قوله تعالى: الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ؛ فهكذا أخبر بأنه الذي ابتدأ خلق الإنسان، ولا يليق أن الذي خلقه يتركه هملا؛ لا بد أنه يحاسبه، وأنه يعلم أحواله؛ ولهذا قال تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى يعني: مهملا، لا يؤمر ولا ينهى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً .. ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً يعني في بطن أمه، فَخَلَقَ فَسَوَّى فالذي خلق الإنسان وصوره وسواه لا يليق أن يتركه هملا.
أخبر تعالى بأنه يعلم به يقول تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ يعلم ما يجول في قلب كل أحد، وما توسوس به نفسه، ولكنه سبحانه لا يعذبه ولا يحاسبه على ما في قلبه، ولا على ما تتحدث به نفسه؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عفي لأمتي عن ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل .
جاء بعض الصحابة فقالوا: يا رسول الله، إنا لنجد في أنفسنا ما لأن نخر من السماء أحب من أن نتكلم به، فقال : الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة فما يوسوس به الإنسان لا يحاسبه الله عليه، ولكن هذا دليل على أنه عالم بما يجول في نفسه: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ أي: من العرق الذي في قاعة الرقبة، العروق في الرقبة تسمى الأوردة، العرق: يسمى حبلا، حبل الوريد، أقرب إليه من هذا الحبل الذي أو العرق الذي في أصل رقبته.
وذلك دليل على أنه عالم بأحواله وإذا كان كذلك فلا يحق له أن يستخفي عن ربه سبحانه وتعالى بشيء والله يطلع عليه؛ قد أنكر الله تعالى على الذين يستخفون قال تعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ أي هو مطلع عليهم ويعلم كل شيء، وقال تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ مفاتح الغيب ورد أنها الخمسة التي ذكرت في آخر سورة لقمان في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ هذه الخمس لا يعلمها إلا الله، وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أي: ما يكون في البر وما يكون في البحر وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا كل ورقة تسقط من شجرة يعلم متى تسقط، ويعلم متى نبتت وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ أي: أية حبة، حبة رمل أو حبة دقيق أو حبة بر أو نحو ذلك: فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ أي كل ما في الأرض من رطب ويابس؛ فهو في كتاب مبين، قد كتبه الله تعالى.

line-bottom