إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الأول
37719 مشاهدة
14- إثبات صفة السمع والبصر والرؤية

[وقوله: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة: 1]. وقوله: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران: 181]. وقوله: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزحرف: 80]. إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه: 46]. أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق: 14]. الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الشعراء: 218- 220]. وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة: 105].


الشرح
* قوله: وقوله: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ .
هذه الآيات أوردها المؤلف -رحمه الله- لإثبات صفتي السمع والبصر وهاتان الصفتان من الصفات الذاتية.
ثم هذه الآيات صريحة في إثبات السمع؛ لأنها جاءت بصيغة الفعل، وجاءت بالمضارع، وجاءت بالاسم.

فجاءت بالماضي كقوله تعالى في سورة المجادلة: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا الآية، وكذلك قوله تعالى في سورة آل عمران: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ؛ لأن التعبير بسمع في الماضي يدل على أمر قد حصل، فقد سمع الله قول المجادلة، وسمع الله قول الذين قالوا: إن الله فقير ونحن أغنياء.
وبالمضارع كقوله في آية المجادلة: وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا والمضارع يؤتى به للحال وللاستقبال، والمعنى: أن الله يسمع تحاوركما في الحال، أو يسمع تحاوركما في المستقبل، فهذا صريح في وقوع السمع، ومثله أيضا -بلفظ المضارع- قوله تعالى في سورة طه: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى فقد أثبته بلفظ المضارع، وكذلك قوله في سورة الزخرف: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ .
فالتقدير: بلى نسمع سرهم ونجواهم وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ فعبر بالمضارع ليدل على وقوعه في المستقبل، وفي الحال، ومثله أيضا قوله تعالى في سورة براءة: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ [التوبة: 105]. هذا في الرؤية في المستقبل، وبالاسم كما في قوله تعالى، في آية المجادلة -في آخرها- إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ وفي بعض الآيات: وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا وفي بعضها: وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ فإثبات ذلك بلفظ الاسم يدل على تحقق الصفة، أي: تحقق وصف الله بمقتضى ذلك الاسم؛ لأن الاسم له ثلاث دلالات، هي:
الأولى: دلالة على الذات، وتسمى دلالة المطابقة.
الثانية: دلالة على الصفة المشتقة، وتسمى دلالة تضمن.
الثالثة: دلالة على بقية الصفات، وتسمى دلالة التزام.
فاسم الله تعالى السميع يعني: ذو السمع الشامل، لا ينطبق إلا على الذات الربانية، فهو يدل على الذات - يعني: ذات الله- مطابقة؛ لأنه اسم الله حقا.
ويدل على الصفة تضمنا، وهي صفة السمع، وهي: إثبات أنه يسمع؛ لأن السميع مشتق من السمع، ويدل عليه التعليل بما قبله، كقوله تعالى: وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة: 1].
وكقوله تعالى: وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 227]. يعني: يسمع طلاقهم، ويدل على بقية الصفات بالالتزام؛ لأنه إذا كان سميعا استلزم سمعه أن يكون مدركا لما يسمع، واستلزم أن يكون بصيرا، واستلزم أن يكون قادرا وقاهرا لخلقه كلهم وهكذا.
* الآية الأولى: في سورة المجادلة، وهي قوله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ .
هذه الآية نزلت في خولة بنت ثعلبة جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تشتكي إليه زوجها؛ لأنه ظاهر منها، يعني: قال لها: أنت علي كظهر أمي، فأخذت تكلمه خفية، وتقول: أشكو إلى الله، وأشتكي إلى الله مما فعل، وتقول عن الصبية الصغار الذين عندهم: إن ضممتهم إلي جاعوا، وإن تركتهم عنده ضاعوا، فأنزل الله الآيات في أول سورة المجادلة، وجعل له كفارة... إلخ.
فقوله: تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا يعني: في شأن زوجها الذي ظاهر منها، وقال: أنت علي كظهر أمي، وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ فراقها لأولادها، لما قال لها النبي -صلى الله عليه وسلم- ما أراك إلا قد حرمت عليه فهي تشكو أمرها إليه.
والشاهد هو قوله تعالى: وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ فأثبت لنفسه سمعا يدرك به المسموعات، وبصرا يدرك به المرئيات، وقد ورد أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله وأنا في ناحية من البيت، ما أسمع ما تقول، فأنزل الله -عز وجل- قَدْ سَمِعَ اللَّهُ فدل ذلك أن الله يدرك بسمعه الأصوات على اختلافها
* الآية الثانية: في سورة آل عمران، وهي قوله تعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران: 181]. هذه الآية نزلت في اليهود، عندما نزل قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [البقرة: 245]. قالت اليهود: يا محمد افتقر ربك فسأل عباده القرض؟ فأنزل الله هذه الآية كما روي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- لمحمد سمع الله قولهم هذا لما تكلموا به، لم يخف عليه منهم خافية وسيجازيهم على ذلك.
* الآية الثالثة: في سورة الزخرف، وهي قوله تعالى: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف: 80]. هذه الآية نزلت في المشركين، يقول تعالى عنهم: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ [الزخرف: 79]. ثم قال أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ أي: بلى نسمع سرهم ونجواهم ولذلك وكلنا بهم رسلا- يعني: ملائكة- يكتبون حسناتهم وسيئاتهم، فلا يخفى علينا شيء من أمرهم وإن استخفوا وتستروا.

*الآية الرابعة: في سورة طه، وهي قوله تعالى: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى هذا خطاب من الله لموسى وهارون لما أرسلهما إلى فرعون، وأمرهما أن يقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى، وثبتهما الله على ذلك، فقال لهما: لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه: 46]. فأثبت بأنه معهما بعلمه وحفظه ويسمع كلامهما لفرعون ويرى مكانهما ومكان فرعون، لا يحجبه عن ذلك شيء، فهو يعلم السر وأخفى، وهذا دليل على سعة علم الله تعالى، فإن سمعه يتسع لجميع الأصوات، وقد كان دعاء عائشة -رضي الله عنها- الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، وقالت ذلك لما حكت قصة المجادلة، وهي خولة بنت ثعلبة
فكونه -سبحانه- وسع سمعه الأصوات، يعني: أنه يسمع القاصي والداني، ولا يخفى عليه شيء من الأصوات، قويها وضعيفها، سرها وجهرها، في كل مكان، وفي كل زمان، وبأي لغة، فدلت هذه الآية على إثبات صفتي السمع الذي يدرك الله به جميع الأصوات، والبصر الذي يدرك الله به جميع المرئيات فدل ذلك على اتصافه -جل وعلا- بهاتين الصفتين.
* الآية الخامسة: في سورة العلق، وهي قوله تعالى: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق: 14]. وهذه الآية وما بعدها فيها إثبات صفة الرؤية لله تعالى كما ورد في الآية السابقة: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى وقد نزلت هذه الآية في أبي جهل -لعنه الله- عندما منع النبي -صلى الله عليه وسلم- من الصلاة بالبيت وبخه الله وتوعده، وقال: ألا يعلم هذا الشقي أن الله يرى جميع الأشياء، ولا يخفى عليه خافية من أمره، حتى يمنع نبيه من عبادته والصلاة في البيت، فأثبت الله في هذه الآية صفة الرؤية لجميع الأشياء.
* الآية السادسة: من سورة الشعراء، وهي قوله: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الشعراء: 218- 220]. يخاطب الله نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم- بذلك، والمعنى أنه يراك في ظلمة الليل حين تقوم للصلاة، ولو كنت في جوف بيتك، لا يخفى عليه شيء من أمرك وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ يعني: ويرى تقلبك وتنقلك بين الساجدين- يعني: المصلين- من حال إلى حال، فلو كنت في مسجد مثلا، والمسجد مليء بالمصلين، فالله تعالى يراك ويعلم خافيتك، ويعلم ما في ضميرك: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ يعني: أنه يسمع الكلام والقراءة والذكر ونحو ذلك سرا كانت أو جهرا، وهو عليم بذات الصدور، وبما يكنه ويخفيه صدرك.
والشاهد قوله: الَّذِي يَرَاكَ هو فأثبت تعالى لنفسه البصر الذي يرى به جميع الأشياء.
* الآية السابعة: في سورة التوبة، وهي قوله تعالى: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة: 105]. حث الله عباده على العمل الصالح، وأنهم إذا عملوا فإن الله يراهم، ولا يخفى عليه خافية -من أمرهم- فيجازيهم على ذلك أحسن الجزاء، فرؤية الله عامة في كل زمان .
وقوله: ورسوله يعني: عندما يكشف الله له أو يعلمه بذلك، قوله: والمؤمنون يعني: عندما يرونهم يعلمون أعمالهم الظاهرة.
الشاهد قوله: فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ دل ذلك على إثبات الرؤية لله، وأنه سبحانه يرى ببصره جميع الأشياء، ولا تواري منه سماء سماء وأرض أرضا.
فالحاصل أن أهل السنة والجماعة يثبتون لله تعالى سمعا حقيقيا، يدرك به جميع المسموعات، وبصرا حقيقيا يدرك به جميع المرئيات، من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل.
فإذا عرفت ثبوت هاتين الصفتين قد تقول: ما فائدة اعتقادهما؟ أو: ما الذي يستفيده الشخص إذا اعتقد أن الله سميع بصير، وأن الله يسمع ويرى؟
والجواب عن ذلك أن يقال: إن فائدة هذا الاعتقاد لا بد أن تكون محسوسة.
فإذا اعتقد العبد اعتقادا جازما بأن الله يسمع جميع الأصوات، فإن ذلك يوجب له أن يكون حذرا من أن يسمع الله منه كلاما لا يرضيه، كأن يتكلم كلاما محرما؟ من كذب، أو نميمة، أو غيبة، أو نحو ذلك، فيكون دائما خائفا وجلا لا يتكلم إلا بالخير، فإن الله تعالى هو الذي خلقه، وهو الذي رباه بنعمه، وهو مالكه، وقد نهاه عن الكذب، ونهاه عن النميمة، ونهاه عن الغيبة، ونهاه عن قول الزور وشهادة الزور، ونهاه عن السخرية بإخوانه المؤمنين، إلى غير ذلك مما نهاه الله عنه، فإنه إذا علم علم اليقين أن الله يسمعه، فإنه سيحاسب نفسه، ويقول: كيف أقول ذلك والله يسمعني، كيف أقدم على هذا الكذب، والله يسمعني، كيف أفسد بين الناس والله يسمعني، كيف أذكر أخي المسلم بما يكره في غيبته والله يسمعني، كيف أقول الزور وأشهد مع فلان على فلان كاذبا والله يسمعني، كيف أسخر بأخي المسلم والله يسمع ما أقول، فيكون اعتقاده ذلك رادعا وزاجرا له عن الوقوع فيما نهى الله عنه.
وهكذا أيضا إذا أيقن، وإذا علم علم اليقين، واعتقد اعتقادا جازما بأن الله يراه من كل حال وعلى كل حال، وفي كل زمان وفي كل مكان، فإن اعتقاده وإيقانه وإيمانه بذلك يردعه ويمنعه ويكفه عن أن يقدم على ما لا يحل له، أو يتأخر عن الواجب.
وقد روى أن أحد العلماء أوصى أحد أصحابه، فقال له: إياك أو احذر أن يراك الله حيث نهاك، أو يفقدك حيث أمرك، ومعنى قوله: يراك حيث نهاك، يعني: يراك على معصية قد نهاك عنها في مكان فيه صخب ولغو ومضيعة لحدود الله، يراك في مكان تنتهك فيه حرمات الله، ويفترى فيه على الله الكذب، يراك في مكان يسخر فيه بآيات الله ويستهزأ بها، يراك في مكان يعصى فيه الله علنا جهارا، ويستخفى فيه بمعصية الله، أو يجاهر بها، ويستهان باقترافها، أو يراك وأنت متلبس بمعصية.
ومعنى قوله: أو يفقدك حيث أمرك، يعني: احذر أن تتخلف عن أوامر الله، وعن الأماكن التي يطاع فيها الله وتفعل فيها أوامره، فاحذر أن يفقدك الله في المساجد مثلا في أوقات الصلاة، أو في حلقات العلم أو حلقات الذكر، أو يفقدك مع الذاكرين الله كثيرا، ومع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، أو يفقدك مع حجاج بيته الحرام، أو يفقدك مع المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، ونحو ذلك من أبواب الخير التي أمر الله بها عباده وجعلها واجبة عليهم.
ثم إن هذا يسمى عين المراقبة، إذا علمت أن الله يراك، واستحضرت ذلك عند كل عمل، كانت هذه عين المراقبة.
وهناك مرتبة أرفع منها، وهي عين المشاهدة، وهما مذكورتان في قوله -صلى الله عليه وسلم- الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
قوله: أن تعبد الله كأنك تراه هذه عين المشاهدة، وقوله: فإن لم تكن تراه فإنه يراك هذه عين المراقبة.
فهذه هي ثمرة اعتقاد اتصاف الله تعالى بالسمع الذي يدرك به جميع الأصوات، والبصر الذي يدرك به جميع المرئيات.