التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الأول
الإقرار برسالة النبي صلى الله عليه وسلم
[وأشهد أن محمدا اسم> عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا] .
هذه هي الشهادة الثانية وهي الإقرار والاعتراف بأن محمدا -صلى الله عليه وسلم- مرسل من عند الله رأس> تعالى، فهو المُرْسَل والله المُرْسِل، وقد أرسله سبحانه برسالة وأمره بتبليغها للناس كافة ألا وهي الإسلام والشريعة التي جاء بها وهي هذا الدين العظيم وما يتضمنه من الأوامر والنواهي.
* قوله: (عبده ورسوله).
شهادة له بالعبودية والرسالة، وقدم العبودية لأنها صفة مدح في حقه -صلى الله عليه وسلم- فهي من أشرف مقامات العبد مع الله، ولذلك فإن الله -سبحانه وتعالى- قد وصفه بها في أشرف مقاماته -صلى الله عليه وسلم- في سورة الإسراء، قال تعالى: رسم> سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ قرآن> رسم> [الإسراء: ا]. آية>
ثم جاء ذكر الرسالة في قوله: (ورسوله) والرسول هو الذي يحمل الرسالة من المُرْسِل إلى المُرْسَل إليه والمُرْسِل هو الله والمُرْسَل إليه هم جميع الناس، فالله -سبحانه وتعالى- قد أرسل مع نبينا محمد اسم> -صلى الله عليه وسلم- رسالة وأمره بتبليغها لجميع الثقلين الجن والإنس، وهي هذا الدين الذي يدعو الناس إلى أن يعبدوا الله وحده ويطيعوه.
والرسول عند أهل العلم من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه رأس> ونبينا محمد اسم> -صلى الله عليه وسلم- نبي رسول، فأول ما أنزل عليه قوله تعالى: رسم> اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ قرآن> رسم> إلى قوله: رسم> عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ قرآن> رسم> [العلق: 5]. آية> فكان بها نبيا -عليه الصلاة والسلام- ولما نزلت عليه هذه الآيات: رسم> يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ قرآن> رسم> [المدثر: 1، 2]. آية> كان رسولا مأمورا بالإنذار عليه الصلاة والسلام.
* قوله: (صلى الله عليه).
الصلاة من الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، كما ذكر ذلك أبو العالية اسم> حيث قال -رحمه الله- صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه في الملأ الأعلى رواه البخاري اسم> حديث> وهذا هو المعنى الصحيح لذلك.
والله -سبحانه وتعالى- يثني على عباده الذين يحبهم في ملأ من الملائكة وهم الملأ الأعلى، كما في الحديث القدسي: رسم> وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم متن_ح> رسم> .
وقال بعضهم: إن الصلاة من الله على رسوله معناها الرحمة واستدلوا على ذلك بقوله تعالى في قول الملائكة في آل إبراهيم اسم> رسم> رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ قرآن> رسم> [هود: 73]. آية> ولكن هذا القول ضعيف.
والرسول -عليه الصلاة والسلام- أخذ من هذه الآية قوله في التشهد الأخير: اللهم صل على محمد اسم> وعلى آل محمد اسم> كما صليت على إبراهيم اسم> وعلى آل إبراهيم اسم> إنك حميد مجيد فهو -صلى الله عليه وسلم- يشير إلى هذه الآية.
يعني: كما ترحمت عليهم، ولكن الأقرب هو ما ذكره أبو العالية اسم> رحمه الله: أن صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه في الملأ الأعلى.
أما الصلاة من الملائكة فهي الاستغفار.
وأما الصلاة من الآدمي فهي الدعاء.
* قوله: (وعلى آله).
آل النبي -صلى الله عليه وسلم- هم أهل بيته من المؤمنين كزوجاته وبناته، كما ورد ذلك مفسرا في حديث أبي حميد الساعدي اسم> -رضي الله عنه- في صفة التشهد الأخير أنهم قالوا: رسم> كيف نصلي عليك يا رسول الله؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد اسم> وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم اسم> متن_ح> رسم> .
فهذا يدل على أن آل النبي -صلى الله عليه وسلم- هم أزواجه وذريته، يعني: المؤمنين منهم، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية اسم>
وذهب أكثر العلماء إلى أن معنى الآل هم الأتباع، واستدلوا بقوله تعالى: رسم> أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ قرآن> رسم> [غافر: 46]. آية> يعني: أتباع فرعون.
واستدلوا أيضا بما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> سلمان اسم> منا آل البيت رسم> مع كونه فارسيًا.
ولذلك قال بعض الشعراء:
آل النبـــي هــم أتبــاع ملتــه | مـن كـان مـن عجـم منهـم ومن عرب |
لـــو لــم يكـن آلـه إلا قرابتـه | صلى المصلِّي علـى الطــاغي أبي لهب |
وقال أحدهم:
ألا إنمــا التقوى هي العـز والكرم | وحـبُّك للدنيــا هو الذُّل والسقم |
وليس على عبـد تقــي نقيصــة | إذا حقَّق التقوى وإن حاك أو حجم |
يعني: أن الرفعة عند الله ليست بالحب ولا بالنسب ولا بالقرابة من الرسول -عليه الصلاة والسلام- ولكنها تكون بالتقوى والاتباع.
وكذا قال بعضهم:
لعمــرك مــا الإنســان إلا بدينــه | فلا تترك التقــوى اتكالا علــى النسب |
فقـد رفــع الإسـلام سـلمان فـارس | وقـد وضـع الشـرك الشـقي أبـا لهب |
فالحاصل أن آل النبي -عليه الصلاة والسلام- في الأصل هم أهل بيته وأقاربه من المؤمنين، وهذا هو القول الصحيح، ويدخل فيه أيضا أتباعه على دينه إلى يوم القيامة.
* قوله: (وصحبه وسلم).
أي: أصحابه، وهم الذين أدركوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وآمنوا به واتبعوه وماتوا على ذلك، وقوله: (وسلم): التسليم يعني: من الآفات والشرور ونحوها، أي: أننا ندعو الله تعالى أن يصلي على نبينا -صلى الله عليه وسلم- أي: يثني عليه في الملأ الأعلى كما تقدم، وكذلك يسلم عليه، أي: يسلمه ويبرئه من الآفات والعيوب والشرور ونحوها، وهذا هو الأرجح والله أعلم.
وقيل: إنه اسم من أسماء الله تعالى.
* قوله: (تسليما مزيدا).
هذا مصدر مؤكد لما قبله، أي: تسليما زائدا على الصلاة.
مسألة>